الهجوم على منابع الإرهاب

TT

بعد سلسلة التفجيرات الإرهابية التي شهدتها الرياض يوم الاثنين الماضي، اتخذت استراتيجية الحرب على الإرهاب في السعودية منحىً جديداً، فلم تعد الحرب مقصورة على الذين قاموا بالعمليات الإرهابية أو من يعد للقيام بها، بل تعدت ذلك إلى المواجهة المباشرة مع منابع الإرهاب.

فقد حذّر ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، في الخطاب الذي وجهه إلى الشعب السعودي يوم الثلاثاء، كلَّ مَنْ يؤيد فعل الإرهابيين، أو يحاول أنْ يسوغ له دينياً، وتوعدهم بأنهم سيكونون شركاء حقيقيين للإرهابيين.

إنَّ هذا الهجوم على «منابع الإرهاب» كان متوقعاً ومطلوباً في الوقت ذاته; اذ ان هؤلاء الذين يشكلون واجهة وسنداً فكريين للإرهابيين لا يقلون عنهم جرماً ولا خطورة، بل هم أخطر من الإرهابيين بدرجة كبيرة، فحقيقتهم أنهم مصانع منتجة للإرهابيين، وسواق تحافظ على حياة نبتة الإرهاب النجسة.

فعند محاربة هذه الأفكار الإرهابية لا بد أن ننتبه إلى جذورها القريبة والبعيدة; فليس المقصود هو محاربة الفكر التكفيري فقط، بل المهم هو محاربة كل فكر يؤمن بالعنف وسيلة للتغيير، وإن كان أتباعه يسمون عنفهم وإرهابهم «جهاداً» زوراً، وتدليسا على الناس.

إن محاربة منابع الإرهاب ليست بالعملية السهلة، بل هي عملية طويلة ومعقدة بعض الشيء، إذ يجب أولاً تحديد هذه المنابع، وهذا ما يتطلب دقة ومعرفة كبيرة بها وبخباياها، فمنابع الإرهاب ليست كلها منابع قريبة المأخذ «تصرِّح» بتأييد التكفير وأعمال الإرهاب، فالمنابع الأخطر هي المنابع «الكامنة» التي تمد هؤلاء الإرهابيين بالحياة، وإنْ كانت لا تصرح بموافقتهم على جرائمهم.

فلا بد من الصبر والصدق عند البحث عن هذه المنابع وتحديدها، وعدم التهاون في القضاء عليها، على أي صورة كانت، وتحت أي شكل تخفَّت، فالتهاون مع أي منبع مهما كان مأخذه بعيداً، أو كان تأثيره ضعيفاً يعني مزيداً من عمليات التفجير والإجرام.

وهذا ما يتطلب مشاركة جميع الشعب السعودي في الحرب على الإرهاب، فحرب الإرهابيين ليست بينهم وبين الأمريكان، ولا بينهم وبين الحكومة السعودية فقط، بل هي حرب بينهم وبين الشعب السعودي جميعه، وضد الوطن بشتى فئاته وعلى اختلاف طوائفه.

فينبغي توحيد الصف في حربنا ضد هؤلاء المجرمين، وأول خطوة تكون هي إدانة هذه الأفعال ومرتكبيها إدانةً واضحةً لا لبس فيها.

فالواجب على هيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، ووزارة الشؤون الإسلامية، ووزارة التربية والتعليم، وشيوخ الصحوة، ومدرسي الجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وغيرهم، إدانةُ هذه الأفعال، وتجريم مرتكبيها بأشخاصهم، بعبارة صريحة لا تحتمل التأويل، حيث انتهى وقت المجاملات والعبارات المجملة، ثم بعد ذلك محاصرة هؤلاء الإرهابيين فكرياً، وكشف زيف دعاواهم، والقضاء على ثقافة الكره والعنف المنتشرة بين الشباب.

وكذلك فالحكومة مطالبة بتجريم «ثقافة الكره والتكفير» وسن القوانين لمواجهتها.

إنَّ هؤلاء الإرهابيين لن يؤثروا على استقرار البلد، وهذا أمر يعرفونه هم جيداً، لكن مقصدهم هو إحراج الحكومة لفرض بعض التصورات والافكار والذي قد يعني التسامح معها مزيداً من العمليات الإجرامية، فمن قام بأي عملية إرهابية أو خطط لها، ليس له إلا رد واحد وهو «الردع الحاسم»، كما ذكر ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز.

إن مشكلة الإرهاب في أصلها مشكلة فكرية، لذا فالحرب عليها يجب أنْ تأخذ طابعاً فكرياً، وأبلغ رد على الإرهاب والإرهابيين هو المضي قدماً في الانفتاح، ومسيرة الإصلاح السياسية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية في البلد، وإعطاء المزيد من الحريات العامة والفكرية، وترسيخ مفاهيم الحوار والتعايش والوطنية في مجتمعنا، وإنْ لزم الأمر جعل هذه المفاهيم مادة إلزامية في المدارس والجامعات، وتربية الطلاب عليها.

فإذا كانت أحدث 11 سبتمبر قد غيرت وجه العالم، ووجهته إلى محاربة الإرهاب; فإن أحداث الرياض الأخيرة ستغير وجه «السعودية» وستوجهها إلى جهود وطنية طويلة وقاسية ضد الإرهاب ومنابعه، ومؤيديه، والمنظرين له.

* كاتب وباحث سعودي