والعلاج رقيب حرّ

TT

حوَّل صدام حسين المعلمة السابقة ساجدة طلفاح الى اغنى امرأة في العراق. وبقرار واحد رفع دخلها من بضعة دنانير الى عشرات الملايين. وعندما اضطرت فرح ديبا الى بيع اكبر ماسة في العالم في مزاد علني، قام مجهول بشرائها لصالح السيدة طلفاح. كانت الخيزران ام الرشيد اغنى امرأة في الارض، بعدما جيء بها من اليمن أمة صغيرة. ولكنها لم تصنع ثروتها بقرار بل بذكاء تجاري مذهل. وعبرت التاريخ على انها واحدة من اكثر النساء حنكة ودهاء.

تلقى صدام حسين دروسه السياسية على معلم الديكتاتوريين الاكبر، نيقولاي تشاوشسكو، واستفاد ايضا من تعاليم كيم ايل سونغ. والقليل الذي قرأه كان في سيرة يوسف ستالين. والامثولة المشتركة واحدة: اولا كمم الافواه. ثانيا الرقاب. ثالثا الجبين. وقد اعطى نيقولاي تشاوشسكو زوجته ايليشا مواسم انتاج الفراء الباريسي. وجعل منها رئيسة ارفع الجمعيات العلمية في رومانيا، وجعل صورته فوق كل الرؤوس، والغى تاريخ بلاده، ونقل الناس من مكان الى مكان مقتلعا جذورهم، ونام مطمئنا. الى حين.

لو كانت هناك صحافة او حرية لما اصبحت ساجدة طلفاح اغنى امرأة في العراق بقرار. ولما قبل طارق عزيز كلما سافر في رحلة الى الخارج ان يمضي الوقت وهو يحمل افلام الرعب التي يعشقها عدي. ولما بقيت بيوت الطوب في البصرة مثل بيوت افريقيا بينما السيجار الهافاني يملأ قصور بغداد الرئاسية وسيارات المرسيدس توزع على المحظيين. ولما كانت هناك مقابر جماعية لا يعرف احد مكانها او عددها. ولما تدرَّب عدي على الرماية باطلاق النار على جثث المعارضين.

الصحافة الحرة او شبه الحرة ضمانة للديكتاتور لانها تحميه من نفسه ومن امراضه ومن استرساله في استسهال الهمجيات. ولو كانت في العراق صحافة غير صحافة عدي لكانت ذكرت صدام حسين بان منح ساجدة طلفاح جزيرة بأمها وابيها، سوف يطلق ألسنة الناس. واذا قصت الالسنة كما حدث للمئات او الآلاف من المعارضين، فسوف تتحدث القبور فيما بعد.

لقد قتل النظام العراقي غياب الصحافة في بغداد وظهور الصحافة المصفقة في الخارج التي بدت امتدادا «لبابل» ولكن بطباعة اكثر تطورا. الصحافة التي تغني للقتل وتطرب لاخبار القتلة وتمشي في جنازات الآلاف من البشر من دون ان تذرف دمعة واحدة. هذا هو النوع الخبيث الذي يجب ان يحاكم اولا. وهذا هو الطابور الذي عمل في خدمة تشاوشسكو، الذي اوصى قبل اي شيء بتخوين الاحرار واذلال المعارضين واطلاق عليهم اوصاف الحيوانات المطرودة «كالكلاب الضالة». بحيث اذا قتلت في المنفى لم يكن الامر اكثر من مقتل كلب ضال او مشرد. والعزة لعدي او قصي. اما الرفاق الذين جاءوا الى السلطة في موكب واحد فقد تواروا واحدا بعد الآخر في التراب او في السجون او في النسيان او في المنافي. ويأتي يوم يتحدثون من خلف القبور. انها لا تسكت عن احد.