الخيار النووي الأميركي مرة أخرى

TT

يبدو أن لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي تعاني حالياً من انقسام في صفوفها حول اعتزام واشنطن الغاء الحظر المفروض على تطوير أسلحة نووية صغيرة في سياق حملتها الحالية ضد ما تصفه بـ «المجموعات الارهابية» و«الدول المارقة»، وعلى رأسها كوريا الشمالية.

الأمر المضحك في هذا الصدد أن الأدارة الأميركية تقول إنها غير راغبة في الواقع في تطوير أسلحة جديدة من هذا النوع، لكن تزعم أن الحظر أضر بالأبحاث الخاصة بهذه الأسلحة التي قد تحتاجها في يوم من الأيام، أو على نسخ جديدة متطورة عنها.

المسألة هذه ستعرض الأسبوع المقبل أمام مجلس الشيوخ بكامل أعضائه ونصابه لتواجه معارضة شديدة من قبل الديموقراطيين الرافضين بأغلبيتهم لأي تعديل في بنود الحظر.

لقد استغرق الأمر أكثر من 50سنة لفرض حظر على الأسلحة النووية بمختلف اشكالها وانواعها، كما يقول السناتور الديموقراطي جاك ريد ممثل ولاية لونغ آيلند. و«الآن شرعت ادارة الرئيس بوش تتحدث عن تحويرها الى اسلحة تكتيكية. إنها منحى محفوف بالمخاطر».

يقول محبذو هذه الأسلحة إنها فعالة جداً لحرق المنشآت الكيماوية والبايولوجية من دون نشر العوامل القاتلة في الجو. ثم انها خطوة في الاتجاه الصحيح لحماية الولايات المتحدة من التهديدات الجديدة والمستمرة حالياً التي شرعت تقيم لنفسها تحصينات ومخابئ تحت الأرض، على حد قول سناتور آخر مؤيد لالغاء الحظر من الحزب الجمهوري يدعى جون وارنر الذي يمثل ولاية فيرجينيا، والذي يرأس حالياً لجنة القوات المسلحة في المجلس.

في هذا الوقت يضغط البيت الأبيض من جهته لاعتماد مثل هذه الأسلحة النووية الجديدة لكبح جماح جماعات ارهابية وتهديدات صادرة من بلدان في الشرقين الأقصى والأدنى.

كما انه في رأي اغلبية المحبذين لهذه الاسلحة، فإن الرؤوس النووية الكبيرة قد فقدت قيمتها الآن في ضوء زوال الاتحاد السوفياتي التي كانت تشكل رادعاً قوياً له. ثم ان هذه الرؤوس هي من ضخامة الحجم والقوة التدميرية بحيث ان زعماء العالم لا بد ان يحجموا عن استخدامها ضد الدول الصغيرة، التي تكفيها الأسلحة النووية التكتيكية الصغيرة التي تؤدي الغرض تماماً، والتي يمكن استخدامها في أي وقت، من دون حرج كبير.

في الواقع ترغب واشنطن أن تظهر للدول الاخرى انها تملك مثل هذه الأسلحة لكي تفكر مرتين قبل مهاجمة الأراضي الأميركية، لكن الديموقراطيين يردون على ذلك بالقول ان التحسين الكبير الذي شهدته الأسلحة الذكية، فضلاً عن تصويبها بشكل دقيق عن طريق الأقمار الصناعية واشعة الليزر، جعلت من الأسلحة التقليدية مساوية في تأثيرها للأسلحة النووية الصغيرة. ثم ان رفع الحظر من شأنه ايضاً تشجيع نشر مثل هذه الأسلحة الى البلدان الاخرى، مما يعني اضعاف حجة واشنطن الراغبة في مثل هذه الأسلحة لأنها تسير في الطريق الذي تطالب الآخرين عدم السير فيه، على حد قول السناتور الديموقراطي كارل ليفن.

يبدو أن المطالبة بنقض الحظر الذي فرض على انتاج الأسلحة النووية عام 1993 هو جزء من مشروع قانون لاعتماد الميزانية الدفاعية الجديدة لعام 2004، التي ارسلت الى لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ للموافقة عليها، والتي تبلغ 400.5 مليار دولار. وهي تشمل تشييد قطع بحرية جديدة ومقاتلات ضاربة من طراز «إف ـ 35» وانتاج اسلحة نووية بقدرة تقل عن خمسة كيلو طن من الـ تي إن تي (قنبلة هيروشيما كانت من عيار 15 كيلو طن).

الأسوأ من كل هذا أن الميزانية هذه تشمل ايضا تطوير اسلحة شعاعية ذات طاقة عالية مثل الليزر وغيره، مما يدخل العالم في اتون نوع جديد من التسلح شبيه بالدخول الى العصر النووي، وهو أمر يعارضه دعاة السلوك الأخلاقي ومعارضو الحروب والأسلحة الفتاكة المطالبون بتحريم معدات كثيرة أقل شأناً وأهمية من الأسلحة النووية ذات الدمار الشامل.