الأميركيون في قوس الأزمة.. كم من الوقت يبقون؟

TT

كم من الوقت سيبقون؟

هذا هو السؤال الذي يقبع في قلب الحوار السياسي في ما يسمى بـ«قوس الأزمة»، وهي المنطقة التي تمتد من شمال أفريقيا إلى شبه الجزيرة الهندية.

قال وزير خارجية أفغانستان عبد الله زامرياني: «نعم، إننا نطرح ذلك السؤال كل يوم.. والإجابة التي نأتي بها تحدد كل مظهر من مظاهر سياستنا تقريبا».

إن الضمير «هم» في السؤال المطروح يشير، بالطبع، إلى الولايات المتحدة التي صارت لاعباً في سلسلة من صراعات القوة المعقدة على بعد آلاف الأميال من سواحلها. وحصيلة كل هذه الصراعات تعتمد على مدى الوقت الذي ستمنحه الولايات المتحدة لالتزامها بدورها.

فلنبدأ باتجاه حركة عقارب الساعة (في قوس الازمة). إن الولايات المتحدة تعتبر ضامناً غير معلن لوقف إطلاق النار بين المغرب والجزائر في نزاعهما الذي امتد 26 عاماً حول الصحراء الغربية. فمنذ عام 1992، ظل وزير الخارجية الأميركي السابق، جيمس بيكر، مسؤولاً عن جلب تسوية نهائية للنزاع. وفي هذه الأثناء فإن التأكيدات الأميركية للطرفين ساعدتهما على إعادة فتح حدودهما المشتركة وتخفيف التوتر في علاقاتهما.

بعد ذلك نأتي إلى تونس حيث الدعم الضمني للرئيس زين العابدين بن علي قد مكن النظام من احتواء معارضيه الإسلاميين، وإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية كاسحة. وقد قدمت تونس للولايات المتحدة إمكانيات استخدمها الجيش الأميركي وتأييدا عاما لمواقف الولايات المتحدة في المنطقة.

أما في ليبيا المجاورة، فالرأي الشائع هو انه بدون أن تضع الولايات المتحدة العقيد معمر القذافي في قائمتها الخاصة «تغيير النظام» فإن الدولة الغنية بالنفط لن تستطيع تطوير قيادة جديدة وبناء دولة حديثة حقيقية.

والولايات المتحدة تعتبر أيضاً، قوة مهيمنة على الجارة مصر. ويعتقد بعض الديموقراطيين المصريين أن واشنطن لا تقوم بإجراء ضغوط كافية على الرئيس حسني مبارك لمكافحة الفساد ولإجراء إصلاحات. وفي السودان المجاور تتأرجح الولايات المتحدة بين جهودها للتأثير في النخبة العسكرية ـ الإسلامية الحاكمة وبين مساعدة معارضيها. وهذا قد خلق عدم توازن سلبي أدى الى جمود السياسة السودانية.

وتعتبر الولايات المتحدة عنصراً مركزياً في إنهاء النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

وقال عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، مردداً وجهة نظر واسعة الانتشار في المنطقة، «إن الولايات المتحدة وحدها هي التي تستطيع فرض حل على الطرفين».

ويتوقع اللبنانيون أن تساعد الولايات المتحدة في الإعداد لرحيل سلمي للقوات السورية عن بلادهم. أما السوريون الذين يؤيدون الإصلاح، بمن فيهم بعض الذين يعملون في إطار المؤسسة الحاكمة، فإنهم يأملون أن يساعد مزيد من الدعم الأمريكي للرئيس بشار الأسد في القضاء على الحرس القديم.

وبعد ذلك هناك الأردن، الذي يدين وجوده نفسه في اكثر مناطق العالم خطورة بالكثير لدعم وحماية الولايات المتحدة.

ثم يأتي العراق، حيث سيحدد نجاح الولايات المتحدة أو فشلها من وضعها في المنطقة لأعوام طويلة قادمة.

الولايات المتحدة لها صلات متشعبة بكل الدول السبع في شبه الجزيرة العربية. وللولايات المتحدة وجود عسكري مباشر في كل تلك الدول ما عدا اليمن، حيث بدأت وتيرة جديدة من التعاون العسكري والأمني مع واشنطن في التشكل.

وفي إيران، حيث لا تملك الولايات المتحدة وجوداً سياسياً مباشراً فإن موضوع العلاقات مع واشنطن ظل في قلب السياسة الإيرانية لنحو ربع قرن.

ويتخوف البعض في طهران من أن يكون النظام الخميني هو التالي على قائمة الولايات المتحدة الخاصة بـ«تغيير النظام». ويأمل آخرون في أن تؤدي الضغوط من جانب الولايات المتحدة على الملالي إلى انفتاح النظام وتسمح بانتخابات حرة وتنظم عودة جميلة للملالي إلى المساجد.

والولايات المتحدة تعتبر أيضاً لاعباً أساسياً في السياسة التركية. وقد كانت الضغوط التي وجهتها واشنطن عاملاً حيوياً في إقناع الجيش التركي بقبول نتائج انتخابات العام الماضي التي أتت بأغلبية لتحالف الإسلاميين المعتدلين بقيادة رجب طيب أردوغان.

وفي منطقة القوقاز تعتبر الولايات المتحدة عنصراً أساسياً في منع نشوب حرب جديدة بين أذربيجان وأرمينيا حول اقليم ناجورنو ـ كاراباخ.

وفي الوقت نفسه فإن جورجيا تنظر للولايات المتحدة على انها القوة الوحيدة التي تستطيع إحداث التوازن المضاد للوجود الروسي الذي يخمد الانفاس.

وفي طاجيكستان تعتبر الولايات المتحدة ضامناً لـ«التحالف الوطني» الذي أنهى الحرب الأهلية بين الوطنيين والإسلاميين في منتصف التسعينات. كما يمثل النفوذ الأمريكي أيضاً عنصراً أساسياً في جمهوريات آسيا الوسطى الأخرى وفي كازاخستان حيث ما زالت الدول الوطنية الجديدة تحتاج الوقت لكي تعزز من قوتها.

ولا تحتاج أهمية وجود الولايات المتحدة في أفغانستان لمزيد من القول.

وقد قال وزير الخارجية زامرياني «إن الوجود الأميركي في بلادنا يشبه العمود المركزي الذي تستند اليه الخيمة. فإذا أزيل ذلك العمود فإن كل الخيمة تنهار».

وعلى مستوى أعلى، اعترف قادة كل من الهند وباكستان بأن انشغال الولايات المتحدة المتنامي بشؤون شبه القارة الهندية صار عنصراً حاسماً للاستقرار. وقد لعبت دبلوماسية الولايات المتحدة دوراً مركزياً في تخفيف توتر الأوضاع في كشمير العام الماضي مما حال دون حدوث مواجهة نووية كانت محتملة الوقوع في المنطقة.

وقال أحد كبار الدبلوماسيين الهنود إن الطريقة التي قد تواجه بها الولايات المتحدة أي تحرك في السياسة الخارجية للهند أو باكستان صارت تجد «وقعاً كبيراً» لها عند القيادة الهندية في نيودلهي. وعلى الرغم من أن الوجود الأميركي في معظم اجزاء «قوس الأزمة» هذا ليس أمراً جديداً، فإن المستوى الذي بلغه اهتمامها به لم يسبق له مثيل. إن نهاية الحرب الباردة وتفكك الإمبراطورية السوفياتية وانهيار الآيديولوجيات السائدة في المنطقة، بما في ذلك الوحدة العربية والخمينية، خلقت فراغاً سياسياً وأمنياً وثقافياً ملأته الولايات المتحدة جزئياً في أوقات غفلة. وفي بعض الحالات أقحمت الولايات المتحدة في نزاعات لا تؤثر على مصالحها الوطنية . وفي أحوال أخرى دفعت إلى اتخاذ مواقف عن طريق مجموعات ضغط وأيدت سياسات قد تؤذي مصالحها على المدى المتوسط والطويل.

والمثير للاهتمام هو أنه لا يوجد حوار جاد تقريباً حول الأهداف الجيوبوليتكية والتكاليف للانشغال الأميركي «بقوس الأزمة». وهنا نحن أمام لغز ضخم ذي أجزاء عديدة، لكن من دون أن يكون له شكل كلي. فلنعد إلى سؤالنا الأول: كم من الوقت سيظل الأميركيون مهتمين؟

لقد قدم الرئيس بوش إجابة موجزة في إشارة إلى الحرب في العراق في مارس الماضي: بقدر ما يحتاجه الأمر من وقت!

يجب أن نتذكر أن بوش أسس حملته الانتخابية عام 2000 حول فكرة الحفاظ على الولايات المتحدة، بعيداً عن المشاكل العالمية بقدر الإمكان. ( وقد بلغ درجة الوقوف ضد التدخل في كوسوفو والبوسنة!). إن إجابة بوش على تحدي العراق تأتي معارضة للاعتقاد السائد في العديد من العواصم الإقليمية بأن التورط الأميركي رفيع المستوى في «قوس الأزمة» غير مستدام.

وكان الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني قد أوصى الأنظمة المعادية للأميركيين في المنطقة بالتروي والانتظار قليلاً، على اعتقاد أن الولايات المتحدة لن تملك القدرة على الاستمرار لسنوات، إن لم يكن لعشرات السنين، في الانشغال بأكثر المشاكل خطورة وتعقيداً في العالم اليوم.

وقد أوصى رفسنجاني بأن الأنظمة التي قد تستهدفها الولايات المتحدة يمكنها أن تخفف من حدة التوتر بإحداث بعض عمليات التجميل وتقديم قليل من التنازلات التي لا معنى لها من أجل كسب الوقت.

وأصر رفسنجاني قائلاً «لا أحد يعلم ما سيشغل الأمريكيين بعد 6 أشهر».

إن الأميركيين يعرفون، وقد أظهروا أنهم يعرفون، كيف يكونون عنيدين عندما يحتاج الأمر إلى ذلك. لقد خاضوا غمار الحرب الباردة على الجبهات السياسية والدبلوماسية والثقافية والعسكرية لنصف قرن. ومؤخراً استطاعوا أن يحصروا صدام في كرنتينة لمدة 12 عاما، بما في ذلك شن آلاف الغارات الجوية كل يوم لفرض حزام لحظر الطيران. إن خوف زامرياني من مغادرة الاميركيين قبل نضوج الظروف هو خوف لا وجود له. لقد ظل الأميركيون في الفلبين لسبعة عقود من السنوات تقريباً، وفي ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان لنحو نصف قرن. وفي بعض الحالات ربما يبقى الأميركيون أكثر مما تستدعي الحاجة لبقائهم، ولكن إلى الآن فإنهم نادراً ما ذهبوا قبل أن يتغير الوضع الذي أدى إلى قدومهم.