أبعدوا شارون

TT

من حين لآخر تعود الى الواجهة السياسية في تل ابيب تصريحات تطالب بإبعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وفي الأيام الأخيرة تجددت الدعوة، التي هي أقرب الى المزايدة الممجوجة، في البداية على لسان الأحزاب المتطرفة الموجودة خارج الحكومة، ثم تبناها وزراء متطرفون من داخل الحكومة، ولكن الأمر تجاوز الحد بعدما اندفع في التيار نفسه سيلفان شالوم وزير الخارجية، الذي لا يعبر عن آرائه الشخصية، إذ قال أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والدفاع «إن رأيي لم يتغير منذ سنتين، يجب طرد عرفات،لا سيما أنه يسعى حاليا إلى منع أبو مازن من وضع حد للإرهاب».

بهذا الكلام تتخذ المطالبة بإبعاد عرفات منحى مختلفا. فرئيس الدبلوماسية الإسرائيلية هو الذي يحرض النواب في الكنيست على دفع الأمور في هذا الاتجاه، وهو ما يعني ان هذه المطالبة باتت سياسة رسمية تبحث حكومة شارون عن توفير مناخ مناسب لها. واللافت أن وزير الخارجية استعمل حجة، تصح على رئيس حكومة إسرائيل، ارييل شارون، أكثر مما تصح على ياسر عرفات، فهو يبرر طلب الإبعاد بحجة تعطيل عمل أبو مازن في مقاومة الإرهاب، بينما حاول أبو مازن جهده حين التقى مع شارون، أن يقنعه بإعلان قبول «خريطة الطريق»، كمقدمة لحل سياسي يساعد على وقف نشاطات مسلحة كثيرة، إلا أن شارون رفض ذلك، كما رفض التعهد بالانسحاب، أو بوقف عمليات الاغتيال، أو بالإفراج عن عدد كبير من الأسرى، فأفقد أبو مازن بذلك أية قدرة على التحرك السياسي أو الأمني.

إن هذه المواقف السلبية المتراكمة من قبل شارون جديرة بأن تدفع أبو مازن ومعه الحكومة الفلسطينية إلى المطالبة بإبعاد شارون عن واجهة العمل السياسي، لدوره في تعطيل عملية التسوية السلمية، وستكون لدى أبو مازن عشرات الحجج وعشرات الوقائع لكي يستند إليها في تبرير طلبه هذا، وفي المقدمة منها واقعة اجتياح بيت حانون، إذ عندما انتقل أبو مازن من الضفة الغربية إلى غزة لعقد أول اجتماع لمجلس الوزراء هناك، مرّ هو والوزراء عبر شوارع بيت حانون التي كانت محشدة بالدبابات الإسرائيلية، بينما كان الدخان يتصاعد من منازلها المهدمة. وكان أبو مازن قد قرر زيارة بيت حانون، فإذا بشارون يقطع الطريق ويعيد احتلالها ليمنعه بالتالي من زيارتها. فمن الذي يعرقل تحرك رئيس الوزراء الفلسطيني؟ ومن الذي يضع الحواجز على طريق «خريطة الطريق»؟ إنه شارون بالذات، ولذا فإن الأجدر بكل من يريد تحريك عملية السلام حقا وصدقا أن يتحرك لإبعاد شارون نفسه، والحد من قدرته على نسف كل الطرق المؤدية للسلام.