الأكراد لا يرون الحكم الذاتي بعيني أبو شريف

TT

يحاول بسام أبو شريف في مقاله المنشور في «الرأي» بتاريخ 11/4/2003، أن يصادر على الشعب الكردي حقه في الحلم، وكأن كل ما حل بهذا الشعب من مجازر ومذابح وحملات إبادة جماعية وقصف بالأسلحة الكيماوية، على يد طاغية بغداد المخلوع لا يكفي، ولا بد من تجريد هذا الشعب حتى من ان يحلم بنهاية عذاباته ومعاناته المديدة وبغد أفضل وبحياة حرة كريمة أسوة بكل شعوب وأمم المعمورة.

يقول أبو شريف: «سوف يصحو الأكراد من أحلام قادتهم». وهو هنا يحاول التفريق بين الأكراد وقادتهم، وهذا بالطبع مردود عليه وهو يذكرنا ويا للمفارقة بما يردده أركان الحكومة الاسرائيلية من أن قيادة ياسر عرفات لا تمثل الشعب الفلسطيني، ومن انها سبب كل المآسي والمصائب التي تلحق به.

إن قيادة الحركة التحررية الكردية ممثلة في الحزبين الرئيسيين «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، تمثل بكل تأكيد آلام وآمال وأحلام شعبها الكردي، وهذه القيادة تتمتع بالشرعية التاريخية من خلال تاريخ نضالي يمتد لما يزيد على نصف قرن، وتتمتع، وهذا هو الأهم، بالشرعية الديمقراطية، فهي قيادة منتخبة من الشعب الكردي اثر اجراء انتخابات حرة نزيهة في عام 1992 في الاقليم الكردي العراقي.

ان الكاتب اذ يدعو الأكراد ليصحوا من احلام قادتهم، فكأنه يدعوهم الى الكف عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، والكف عن الدفاع عن وجودهم وكينونتهم.

ويضيف الكاتب ان الاكراد سيكتشفون انهم تمتعوا في العراق بحقوق لا يمكن لكردي في تركيا أو ايران ان يتمتع بها، وهذه المعزوفة كثيراً ما ترددها الأوساط «العروبوية القوموية»، ومفادها ان العراق قد منح الاكراد حقوقهم على اساس اعترافه بالحكم الذاتي لهم، بخلاف الدول الاخرى التي تقتسم كردستان، والتي لم تعترف لهم بشيء. قد يبدو هذا الكلام صحيحاً للوهلة الأولى لكن واقع الأمر أن نظام بغداد لم يعترف بالحكم الذاتي لكردستان الا نتيجة الضعف والوهن الناجمين عن العجز العسكري التام في مواجهة الثورة التحررية الكردية. فالتوقيع على بيان الحكم الذاتي في 11 آذار (مارس) 1970 بين الحكومة العراقية والحركة الكردية كان مجرد مناورة من بغداد لكسب الوقت والتقاط الأنفاس، اذ سرعان ما تنصلت الحكومة من الاتفاق وتقاعست عن تنفيذ استحقاقاته، وشرعت في حملة إبادة ضد الشعب الكردي. والمثير للسخرية ان نظام صدام، وحتى قبل سقوطه غير مأسوف عليه، ظل يتبجح بأن الأكراد حصلوا على حقوقهم بموجب اتفاق الحكم الذاتي، ذاك الاتفاق الذي بقي حبراً على ورق، لا بل ان النظام اقترف تحت غطاء الاتفاق، ابشع جرائم الابادة الجماعية والتصفية العرقية في القرن العشرين المنصرم.

يمكن القول والحال هذه ان على اكراد تركيا، وكذلك اكراد ايران واكراد سورية ان يحمدوا الله ألف مرة على انهم لم يتمتعوا بحكم ذاتي، وبحقوق كالتي تمتع بها أشقاؤهم اكراد العراق حيث مئات الآلاف من الضحايا والمفقودين وعشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين والمعوقين فضلاً عن الإبادة بالغازات السامة.

غني عن البيان أن حق الشعوب في تقرير مصيرها كل لا يتجزأ إذ لا يمكن ان يكون في فلسطين مثلاً حق مشروع وفي كردستان تآمر وباطل.

ويمضي أبو شريف في احكامه اليقينية فيؤكد ان الاكراد سيهبون للدفاع عن العراق، وهو يقصد بالعراق هنا نظام صدام حسين، وما يثير الحيرة هو كيف يتوقع الكاتب من الأكراد ان يهبوا مدافعين عن صدام وعصابته، وكأن الأكراد شعب بلا ذاكرة. كيف يطلب من الضحية ان تذود عن جلادها ومن الشعب الكردي ان يهب في وجه قوات التحالف الدولي التي توفر الحماية له منذ ما يزيد على عقد من السنين، والتي لولاها لكانت الطريق سالكة أمام طائرات ودبابات صدام لتقتل الشعب الكردي وتفتك به كما كان دأب هذا النظام على مدى ما يربو على ثلاثة عقود.

يقيناً سيتمكن العراقيون من بناء عراق ديمقراطي فيدرالي على انقاض النظام التوتاليتاري البائد. وسيكون للأكراد دور بارز ومحوري في ترسيخ وتكريس دعائم هذا العراق الجديد الذي سيغدو نموذجاً ديمقراطياً حضارياً يحتذى من كافة دول المنطقة. فالحركة التحررية الكردية سعت دوماً الى تأمين الحقوق القومية والوطنية المشروعة للشعب الكردي في اطار عراق ديمقراطي. فقد كان مطلب الحركة الكردية حتى مطلع التسعينات «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان» ومن ثم تبنت مطلب «العراق الديمقراطي الفيدرالي» وهذا ما أقره المجلس الوطني لكردستان العراق (البرلمان) عندما اعتمد الصيغة الفيدرالية لحل القضية الكردية، اي ان الاكراد ربطوا دوماً وعن قناعة تامة بين الحصول على حقوقهم واحلال الديمقراطية في العراق.

* صحافي من كردستان العراق