عفوا

TT

اصدر الرئيس اليمني عفواً عن مجموعة من مسؤولي اليمن الجنوبي السابقين الذين عرفوا، للاختصار، برقم عددي هو «مجموعة الـ16». او الستعشر. وتضم مجموعة الستعشر هذه رئيساً سابقاً للدولة ورئيساً للوزراء والبرلمان وسوى ذلك من القاب دولة كانت تعزف لها الاناشيد يوم كانت في السلطة واصبحت مجرد رقم من ارقام سوء الحظ يوم اخرجت منها.

وتعرف المجموعة ايضاً باسم «الانفصاليين». اي الخاسرين. اي لو ان السادة الستعشرة ربحوا الحرب وليس صنعاء، لكانوا يعرفون الآن باصحاب السيادة والفخامة والعزة، ولكانوا هم الذين يصدرون العفو العام عندما يحل عيد ميلادهم المجيد. ولكن هذه حال الدنيا، في اليمن وحدها على الاطلاق. من يخسر الحرب يخسر الحياة. واللقب. وحق العودة. ومن يربحها يتملك كافة الحقوق بما فيها حياة الآخرين واين يمضونها.

امضوا السنوات العشر الماضية ياعزيزي في دولة الامارات. ومن هذه الدولة يعود المنفيون السياسيون الى بلدانهم، اما حاكمين واما في صدد ذلك. واقصد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي عاد الى الجزائر من ابوظبي، حيث يمنح الشيخ زايد السياسيين المبعدين لقبا رسمياً يحفظ كرامتهم ومعه لوازمه. ومن هنا عاد الى العراق الاستاذ عدنان الباجه جي، العراقي النزيه. وهنا لا يزال يعيش سيل طويل من السياسيين العرب السابقين القادمين، كما يقتضي الامر وينبغيه، من المحيط الهادر الى الخليج الثائر. فليس من عزيز قوم الا وعثر على حماية لكرامته.

وارجو ان «تنقز» صنعاء من القول انهم يعودون الى السلطة او الى.... صددها لا. ليس الستعشر. هؤلاء السادة لن يعودوا، اذا اختاروا العودة، الا الى... السترة. لا اكثر ولا اقل، وهم يدركون تماماً معنى عودة الخاسرين و«الانفصاليين». فقد اصحبوا كذلك لانهم ارادوا ضم الشمال الى الجنوب بينما القاعدة تقضي بضم الجنوب الى الشمال، والجنوب في العالم، جهة جغرافية بائسة الا نادرا، من جنوب ايطاليا الى جنوب لبنان. ولذلك قسم العالم برمته الى شمال غني وجنوب فقير. ويتولى احوال الجنوب في الجامعة الاميركية في واشنطن، صديقنا ورفيقنا كلوفيس مقصود، الذي ستقام باسمه واسم زوجته الراحلة هالة سلام، كرسي في جامعة جورج تاون، للدراسات العربية والاسلامية. وكنت اتمنى لو انني املك اكثر من هذا القلم وهذا الحبر، كي اساهم في اقامة تلك الكرسي. اذ نادراً ما عرفت في حياتي ما عرفته في هالة وكلوفيس من تكرس للعمل الوطني.

كان كلوفيس مقصود سفيرا للجامعة العربية في الامم المتحدة عندما ذهبنا معاً بدعوة من الدكتور محسن العيني الى حضور اول لقاء يمني وحدوي في نيويورك. وارتفعت في ذلك التجمع اعلام الجنوب الماركسية واعلام الشمال. ولم يكن لقب الستعشر «الانفصاليين» بعد. بل كان ياسين محمد نعمان الذي يرأس وفد بلاده الى الامم المتحدة، لقب جليل ومؤلف من بضعة كلمات وليس من كلمة زاجرة واحدة ومذلة. وكنت التقيه في دورة الجمعية العامة، واعجب من اين اتى هؤلاء الرفاق بكارل ماركس الى عدن. ولكنه في اي حال، جاء وذهب كما جاء، معفراً بالنزعة اليمنية الى الاختلاف، وملطخاً بالواقع الماركسي الى التلاغي.

والحمد لله لانه اعطانا كما اعطى الذين يتعاطون السياسة في العالم العربي، بلدانا لا هموم سياسية لها. والى هذه البلدان يأتي المبعدون من المحيط الهادر والخليج الثائر لكي يهنأوا ويفيئوا ويستظلوا. وليس في هذه الدول كلمات طنانة ويافطات متراصة وخطب، ولكن فيها ناطحات سحاب وطبابة وكفاية وطرقات وراحة بال ولا فقراء ولا من يشتهي الشبع. وعندما اعلن الشيخ زايد مبادرته في شأن العراق وعرض على صدام حسين التنحي من اجل انقاذ بلاده من الاحتلال، والاقامة في ابوظبي، كتبت مؤيدا الفكرة. واتهمني الكثير من اصدقائي بالتخاذل، فكيف يجوز ان نطلب من رئيس عربي الخضوع للشرط الاميركي. وكم كنت اتمنى لو كان صدام حسين الآن في الامارات وليس هارباً. وكم كنا نتمنى لو ان العراق ليس محتلا. وكم قلنا لكم ايها الاصدقاء الاعزاء والرفاق الطيبون، في هذه الزاوية بالذات، وفي هذه الاسطر، دعكم من فرنسا وروسيا والصين والمانيا. هذه دول تقف عند الضرورة مع نفسها، ولن تهب الى احد.