امبريالية بالانتخاب

TT

بقدر ما أؤمن بمسؤولية الأبوين عن رعاية الأولاد القاصرين، أؤمن بمسؤولية الأمم المتحدة عن وصاية الشعوب القاصرة. و لكنني ايضا اومن بحق تقرير المصير. فهناك من الشعوب من تصر على البقاء في تخلفها كالشعوب العربية. لا عيب في ذلك. لكل امرئ من دهره ما تعودا. زميلي الرسام فاضل عباس اصر على قضاء حياته في فقر وعوز ومذلة لأنه فضل قضاء وقته في الرسم بدلا من كسب العيش. كذا الأمر مع الشعوب العربية. تفضل البقاء في التخلف والفقر وقضاء الوقت في نظم الشعر ودراسة النحو والفقه. علينا ان نحترم حق الخيار. هذا ما اقوله ايضا بالنسبة لكل هؤلاء الاسلاميين الذين يقومون بعمليات انتحارية/ استشهادية. لهم مطلق الحق في اختيار الذهاب للجنة بدلا من العيش معنا. ولكن ليس لهم أي حق في اخذ آخرين معهم. هؤلاء الأربعون ضحية في المغرب، واكثرهم مسلمون، لم يعربوا عن مثل هذه الرغبة. من يريد ان يستشهد عليه ان يخرج خارج المدينة ويفجر نفسه.

المأزق الآن هو كيف نوفق بين وضع شعب ما تحت وصاية الآخرين وبنفس الوقت احترام حقه في تقرير مصيره؟ الديمقراطية تحل لنا هذا المأزق. المطلوب في مثل هذا الموقف ان تجري انتخابات عامة يقرر فيها الشعب مصيره وينتخب نوابه في المجلس التشريعي ولكن مع شرط واحد. وهو ان يسمح في هذه الانتخابات للدول الأخرى وللأمم المتحدة بأن تتقدم بمرشحيها ايضا. مثلا تأتي دولة مثل سويسرا وترشح مدير شركة ساعات أوميغا او لونجين ليكون رئيسا للحكومة العراقية. كثير من العراقيين يملكون مثل هذه الساعات ويعرفون مدى دقتها وكفاءة عملها. لن يترددوا قط في تفضيل مديرها على واحد عراقي لا يستطيع حتى ركوب بايسكل. معظم العراقيين يشربون السينالكو في الصيف. أتراهم يترددون في التصويت لمدير شركة سينالكو الذي زودهم بهذا الشراب اللذيذ لأكثر من نصف قرن؟ من من هؤلاء الزعماء الوطنيين زود الشعب بأي شيء؟ وماذا عن مدير معامل فولكس واغن، سيارة الشعب؟ كل ما عليه هو ان يهدي سيارة فولكس واغن لكل ناخب عراقي ليضمن فوزه برأسه الجمهورية العراقية بأكثرية ساحقة.

لقد عجز العراقيون كما ذكرت يوم امس عن الاتفاق على حكومة مؤقتة تجري انتخابات في البلاد لوضع دستور وتشكيل حكومة شرعية. قرر الأمريكان الآن الاحتفاظ بالحكم لأنفسهم. طبعا سينتقدهم الكثيرون على ذلك ويعتبرون حكمهم احتلالا عسكريا واستعمارا للبلاد. لماذا لا يضفون الشرعية عليه باجراء انتخابات عامة يشترك فيها المستر بول بريمر، الحاكم الفعلي الآن للعراق، او الكولونيل بيتر جونز، القائد البريطاني في ام قصر؟ هناك ايضا المستر هندرسن، من افريقيا الجنوبية، الذي استطاع اعادة تأهيل مطار بغداد في ايام قليلة. انا واثق ان معظم الناخبين العراقيين سيفضلون اعطاء اصواتهم لواحد من هؤلاء الذين يقضون جل وقتهم في العمل بدلا من الزعماء العراقيين الذين يقضون وقتهم في الكلام.

بالطبع سيتصور القارئ انني اهزل في هذا الكلام. ولكن يا سيدي جرى اكثر من استفتاء واحد في العراق، على الأقل استفتاءين، واظهر فيها اكثرية المواطنين رغبتهم في ان تتولى الأمم المتحدة حكم البلاد وجاء الزعماء الوطنيون في اسفل القائمة. انا شخصيا مستعد للمراهنة مع أي شخص او هيئة بأي مبلغ يقع ضمن قدرتي المالية بأن الشعب العراقي، بل والكثير من الشعوب العربية، سيصوت في جانب الحكم الأجنبي للأمم المتحدة في أي انتخابات اواستفتاءات تجري بصورة حرة بدون ضغوط او ارهاب من الديماجوجيين المحليين.

هذا موضوع اتركه للسيد انان. عليه ان يشترط على كل دولة تدعي الديمقراطية أن تضمن دستورها بندا يسمح للأمم المتحدة ان تشارك في الانتخابات بطرح مرشح يمثلها. هذا هو العيب في الوضع الدولي الحالي. فالترتيب السائد الآن هو ان تمثل كل دولة في الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، في حين ان المطلوب هو أن تمثل منظمة الأمم المتحدة في برلمان كل دولة تدعي بأن لها برلمانا حرا.

بمثل هذه الاجراءات المتطورة، سيمكن الارتقاء بالامبريالية القديمة الى مرحلة جديدة تقوم على الديمقراطية وحق الأنتخاب والترشيح. واذا كانت القاعدة لا ضريبة بدون تمثيل فينبغي أن نقول ايضا لا عولمة بدون تمثيل. وكله لخير البشرية.