أنصار صدام سيواصلون إزعاجنا إلى حين

TT

قبل سنوات، وفيما كان صدام يتمرن على اتقان مهارات الاغتيال وقطع الطريق التي تمكنه من السيطرة على السلطة في العراق، دعا زملاء له في حزب البعث لرؤية مكتبته. صعق هؤلاء حينما رأوا كتب جوزيف ستالين في المكتبة. وأوضح صدام لهم إن الدكتاتور السوفياتي هو بطله ونموذجه.

اليوم يمكن لقصة ستالين أن تعلمنا الكثير، ليس فقط عن طبيعة حكم صدام الشمولي، ولكن أيضاً، عن الطرق التي يمكن لمثل هذا الحكم عن طريقها أن يستخلص، ويا للمفارقة، ولاءً حقيقياً من النوع الذي قد يدفع بعض المواطنين إلى الموت من أجله.

وهذا الولاء، بالإضافة للإكراه والخوف، قد يفسر لماذا كان بعض الجنود العراقيين مستعدين لموت محقق تقريباً وهم يواجهون قواتنا التي تفوقهم قوة.

لقد حكم الدكتاتور السوفياتي من خلال إرهاب مطلق. وكان من الممكن ان يؤدي التفوه بنكتة عن شارب ستالين إلى الاعتقال والسجن والموت، وقد يؤدي إلى ذلك أيضاً عدم الإدلاء بأي شيء. لقد كانت المفاجأة والانتقاء العشوائي في جوهر سياسة الرعب هذه، وبهما اغتال ستالين 10 ملايين على الاقل من مواطنيه.

ومع ذلك، فعندما مات ستالين نعاه الشعب السوفياتي نعياً حقيقياً. ومع انه كان وحشاً، فقد كان وحشهم هم، وكان يتملكهم الشعور بأنه قد قام خلال الحرب العالمية الثانية بحمايتهم في وقت الحاجة، فقد بلغوا حتى درجة القتال من أجله.

وبالرغم من أن الحياة كانت تفتقد إلى الاطمئنان خلال حكمه الوحشي فإن حكمه لم يتسم بذلك. فقد كان، حتى بقبضته الحديدية، موجوداً، على الدوام، هناك مانحاً للبعض الثقة من خلال صوره وتماثيله ومراسيمه وخطاباته الإذاعية حيث كل الأشياء جيدة: الجيش والإنجازات التكنولوجية وعمليات الحصاد والمصانع والبضائع الاستهلاكية والوظائف والروح الوطنية والحماية من الأعداء.

لذلك ليس مستغرباً كثيراً أن يكون موت ستالين عام 1953 قد جلب حزناً ضخماً وحقيقياً.

لقد تذكر المنشق السوفياتي فلاديمير يوكوفسكي في مذكراته عام 1979 بعنوان «ان تبني قلعة»، المشهد فوق العادي في موسكو وهو في سن العاشرة من عمره: «إن موت ستالين هز حياتنا. لقد توقفت الدراسة تماماً وبكى المعلمون علنا… وصاح أحد الرجال عبر نافذة مستشفى للعيون بصوت باكٍ «مات ستالين وأنا هنا !» توقف الصخب والنزاعات في الباحة أيضاً واندفعت جموع ضخمة بغير نظام عبر الشوارع إلى صالة الأعمدة حيث يرقد ستالين. هناك شيء يلهم بالخشية بشأن هذه الجموع الضخمة الصامتة الكئيبة من البشر. وقد استمر هذا الموكب الضخم متواصلاً لعدة أيام، وقضى العديد نحبهم نتيجة الزحام. وفي يوم موكب تشييع ستالين انطلقت أبواق المصانع في النواح والعويل كما انطلقت السيارات والقطارات في الصفير. لقد حدث أمر رهيب لا يمكن إصلاحه. كيف سنعيش من الآن فصاعداً ؟ يا أبانا إلى من تركتنا؟» وقد قال الناس بوضوح شديد «من هناك لنموت من أجله الآن؟ هل هو مالينكوف؟ لا، إن الشعب لن يموت من أجل مالينكوف!».

نعم، إن الشعب كان سيموت من أجل ستالين… حتى هؤلاء الذين فقدوا بعض أفراد أسرهم في عمليات التطهير التي قام بها ستالين.

ومع أنه كان أباً مرعباً إلا أنه كان الأب الوحيد الذي عرفوه. وعبر كل الرعب وعبر عمليات القتل الجماعي واشكال الحرمان التي صاحبت الحرب العالمية الثانية، فإنه كان نموذجاً للسلطة وللملاذ الأخير ومصدر كل أشكال المؤازرة لأن كل السلطات كانت في يديه. لقد كان قائدهم الأعلى والأب على مدى 24 عاماً.

إنها المدة التي ظل فيها صدام حسين قائداً أعلى للعراق وبالطبع أباً. فمنذ استيلائه على السلطة عام 1979، ظلت سلطته، وصارت صورته وكلماته وحضوره جزءاً من الحقيقة العقلية لكل عراقي.

في العراق كل شي يأتي من صدام، ليس فقط ما هو مؤلم بل أيضاً ما هو خير. فالحماية من الأعداء ومن الحرمان تأتي من صدام، حتى لو كان الأعداء والحرمان قد جلبهما صدام أيضاً. الغذاء يأتي من صدام والحياة نفسها، بالنسبة للعديد من العراقيين، تأتي من صدام. هل من المستغرب أن يقدم بعض العراقيين، وربما العديد منهم، على الموت من أجله؟

كم من الزمن سيدوم مثل هذا الإخلاص من الأبناء؟ لقد استمر في الاتحاد السوفياتي طويلاً بعد موت ستالين، حتى بعد إدانة نيكيتا خروتشوف له بعد ثلاث سنوات. وقد عاد مثل هذا الإخلاص من جديد، فما زال الروس يلتقون لتبادل الأنخاب احتفاءً بحكمه المجيد في ذكرى وفاته.

إن ما سيعقب صدام ربما سيكون مختلفاً جداً عن ما أعقب ستالين. لكن الشيء المناسب والحاسم الآن وقواتنا تحتك بالعراق، هو أن عدداً مميزاً من العراقيين يطابقون أنفسهم بصدام ويطابقونه ببلادهم. وهذا ليس له مغزى أخلاقي أو منطقي لكن بالنسبة للعديدين فإن له مغزى عاطفيا.

حقيقة، إن معظم الشيعة والأكراد يكرهونه ولن يقاتلوا من أجله، لكن غيرهم من العراقيين قد يفعلون. إن ما اعتقدناه من أن أحداً لن يقاتل من أجله كان فشلاً في قدرتنا على التخيل السايكولوجي. إن هزيمة صدام ستغير الكثير من ذلك وربما على نحو سريع إذا كانت الهزيمة شاملة على نحو كاف، وإذا أزالت الهزيمة كل مظاهر سلطته بما في ذلك الأشخاص والمؤسسات التي مكنته من الحكم، لكن حتى تأتي الهزيمة فإن قواتنا ستواصل في التعرض على الأقل إلى مواجهة بعض العراقيين الذين يقاتلون من أجل صدام، وأقل من ذلك، لأنهم أخضعوا بفعل ذلك أكثر من كونه مصدرا لحياتهم كما يرونها، مهما تسبب في جعلها رهيبة وملفقة.

** والتر رايخ أخصائي في الطب النفسي، وبروفيسور في الشؤون الدولية والأخلاق والسلوك البشري بجامعة جورج واشنطن وأحد كبار الأكاديميين بمركز وودرو ويلسون.

«لوس انجليز تايمز، خاص بـ«الشرق الأوسط»