رحلة الإقناع

TT

عاد الرئيس حسني مبارك من ليبيا بعدما اقنع العقيد معمر القذافي بتجميد فكرة او مشروع الانسحاب من الجامعة العربية، كما قال. اي ان تكبد مشاق الرحلة الى الدولة الجارة كان مثمرا. ويذكرنا ذلك بيوم قاد القذافي مسيرته الوحدوية الشهيرة الى مصر ايام انور السادات، والتي كاد السادات يواجهها بالقوة المسلحة. وما بين المسيرة الوحدوية عبر مرسى مطروح ورحلة مبارك من اجل اقناع طرابلس بحسنات العضوية في الجامعة، عصر آفل وزمن سحيق.

ولا بدّ ان تكون عضوية ليبيا في الجامعة مهمة الى هذا المدى، لانه في كل مرة تهدد بالانسحاب يقوم الرئيس مبارك بالرحلة عبر الحدود، ناهيك بالرحلات التي يقوم بها الدكتور عمرو موسى. ولكن في الحقيقة يجب ان تكون عضوية الجامعة طوعية واختيارية، ويدخلها من يشاء، مثل جزر القمر والصومال، ويتركها من يشاء، ساعة يشاء. والا فكلما خطر لدولة ان تنسحب، تعين على رئيس مصر ان يشد الرحال، وان يعد مطالعة في فوائد البقاء ضمن الجامعة، وفي فوائد بقاء الجامعة نفسها، والامران حولهما جدل وشكوك وملل.

ثم ان الديبلوماسية العربية نفسها قد دخلت مرحلة جديدة ومتغيرات كبرى. ولم يعد مهماً ان نتبع تلك القواعد والمسالك التي اتبعها في الماضي ديبلوماسيون تقليديون كلاسيكيون محافظون مثل الدكتور محمد فوزي والدكتور فاضل الجمالي وعبد الحليم خدام وشارل مالك ومحمد المصمودي. ففي العصر الحالي يقتضي المفهوم الديبلوماسي الحديث تحركاً اندفاعياً سريعا. كمثل اللقاء بين وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ووزير خارجية اسرائيل السيد شالوم. ولم يعد ضروريا على الاطلاق ان تحتذي الدول الصغيرة والناشئة بالدول الكبيرة التي حُمِّلت وتحملت ذات مرحلة مسؤولية الامة وكانت هي مدخل الامبراطوريات، بل يمكن الآن للدول الصغرى، ان تقود الركب في معركة الوجود. وقد وعد الشيخ حمد في اي حال، بان قطر لن تزيد في تعاملها مع اسرائيل ذرة واحدة ما لم تظهر اسرائيل نية حسنة في شأن التسوية.

ويبدو من قبول شارون خريطة الطريق ان الديبلوماسية المعاصرة تؤتي ثمارها.

آن للعرب ان يدخلوا عصر الواقعية. وهو عصر له تباشير كثيرة، منها ان تصبح السياسة في يد رجال المصارف، كما يحدث في العراق، حيث يتقدم الجماهير السيد احمد الجلبي، صاحب مصرف «البتراء» في الاردن سابقا. ويظهر السيد الجلبي في الصور محاطاً بحراسة من المارينز المدنيين، ورجال لهم زنود وسواعد مثل سواعد سيلفستر ستالون بطل «رامبو» الشهير. واعتذر عن تأخر معلوماتي وعتقها. فانا اعرف ان جيلاً كاملاً من السواعد قد ظهر على عرض الشاشات وطولها، لكنني افتقر الى الاسماء وادرك انني مقصر، وان الحراس الذين يحيطون بالجلبي، يا للهول ياللهول. لا اعرف ان كان الرئيس مبارك قد قرأ، قبل سفره الى ليبيا في رحلة الاقناع الناجحة، الكلام الذي قاله الرئيس الشاب بشار الاسد الى «الانباء» في هذا الباب. يقول: «نجاح صيغة الجامعة او فشلها مرتبط بنا كدول عربية. ولا نستطيع ان نقيم الجامعة تقييما سليماً قبل ان نقيم انفسنا، لان هذه الجامعة بالنتيجة في نجاحها او فشلها تستند الى نجاحنا وفشلنا في التعامل مع هذه الصيغة. وعلى سبيل المثال ماذا اريد من هذه الجامعة؟ هل اريدها فعلا لكي انسق مع بقية الدول العربية ام اريدها فقط لكي تكون لي غطاء كدولة (...) اريد ان أبدأ دائماً بنفسي. هذه هي القاعدة العامة، وانا عندما اقول ان النظام العربي لم ينجح اقول نحن مساهمون في هذا النظام (...) وعندما اريد ان القي الاعباء او الاخطاء على الاخرين اقول الجامعة العربية قد فشلت، وهل انا ناجح لكي تفشل الجامعة العربية؟!» انتهى كلام الرئيس الاسد. ولا كلام لدي.