الدور على الملالي

TT

تنظر الـ«سي.اي.إيه» حول ذاتها وحول اجهزة الاستخبارات الاخرى، لتفحص ما اذا كانت التقارير التي صدرت قبل الحرب على العراق، والمتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والعلاقة العراقية مع تنظيم «القاعدة»، تقارير مبالغا فيها ام لا.

انني اموت شوقاً لمطالعة النتيجة. الذ ما في هذه المراجعة هو حقيقة ان وزير الدفاع رامسفيلد هو الذي اقترحها. الوزير هو المتهم الاول بتلوين الحقائق والمعلومات الاستخبارية لتناسب وتخدم الهجوم على العراق. هذه المراجعة تشبه ان يتوعد او. جي. سمبسون بالقبض على القتلة الحقيقيين، (بعد ان ثبتت عليه تهمة قتل زوجته ـ المترجم).

في الخريف الماضي لم تكن تقارير الـ«سي.اي.إيه» قد وصلت الى درجة اتهام صدام حسين بما فيه الكفاية. آنذاك نشط رومي (رامسفيلد) في صنع جهاز «سي.اي.إيه» صغير خاص داخل وزارة الدفاع لانتاج معلومات تدعم مخطط الصقور الامبريالي. سيكون من المشوق رؤية كيف يتخلص رجل، لم يعترف قط بارتكاب خطأ ما، من حقيقة انه اخطأ وكيف سيقر بذلك، بعد ان تشير المراجعة التي امر بها الى انه بالغ في التهويل.

عندما ذهب الوزير كولن باول في فبراير (شباط) الماضي الى الامم المتحدة من اجل اقناع العالم بضرورة مهاجمة العراق، فقد تحدث عن احتمالات وجود خمسة وعشرين الف ليتر من الانثراكس، واطنان من الاسلحة الكيماوية، وعن ديكتاتور على حافة انتاج قنبلة نووية.

بقفزة سريعة الى شهر مايو (ايار) الجاري، سنجد ان المفتشين الاميركيين، الذين اتهموا في نجاعتهم، اصبحوا على استعداد للعودة من العراق بعد ان اكتشفوا بعض المكانس الكهربائية المتعفنة، وقليل من المبيدات الزراعية، ومعدات لعب للاطفال، ولكنهم لم يعثروا على أي سلاح تدمير شامل. لقد قارن احد المفتشين عن اسلحة الدمار الشامل العمل الذين يقومون به بألغاز سكوبي دو (الكلب البوليسي في مسلسل الكرتون الشهير ـ المترجم)، حيث تبدو الامور خطيرة وغامضة في البداية قبل ان يتضح ان الخطر كان وهماً وقابلا للشرح والفهم.

حتى قبل الحرب، اشتكى بعض خبراء التجسس في الـ«سي.اي.إيه» وزملائهم من بريطانيا، من أن المعلومات الاستخبارية منفوخة. الآن يريد الكونغرس معرفة ما اذا كانت المعلومات مفبركة اصلاً. وكما تقول النائبة الديمقراطية عن كاليفورنيا، جين هارمان، في لجنة الاستخبارات البرلمانية: «قد يكون هذا هو اكبر عملية خداع استخباري في أي زمن». براءة النائبة مؤثرة! ان اسلحة الدمار الشامل في العراق والارتباط مع تنظيم «القاعدة» لا تتعدى «مكجوفن»، حسب تعبير الفرد هيتشكوك في وصفه لبعض معطيات السيناريو الثانوية، التي لا يمكن بدونها انتاج الفيلم البوليسي. كان السيناريو دوماً هو اعادة صياغة الشرق الاوسط، وفي الوقت ذاته تحويل بوش الى ريغان. والبوشيون لم يكونوا طبعاً فوق احتمالات عدم التلاعب بخوف اميركا وبرغبتها في الانتقام بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 .

الصقور الان اقل اهتماماً بنتيجة الفحص، واذا كان ينقصهم المبرر الحربي للهجوم وفرض السلام الاميركي على العراق وافغانستان، فهم بالفعل يحومون على هدف جديد لتغيير النظام هناك. اذا لم يكن العراق يساعد تنظيم «القاعدة» واذا لم تكن لدى بغداد نيات نووية، فإن ايران اذاً لديها كل ذلك.

«بالطبع، لديهم في ايران قيادات من القاعدة، هذه حقيقة»، حسب قول رومي في الكونغرس الاربعاء الماضي، «ايران هي واحدة من الدول، التي حسب رؤيتنا، تسعى وتطور قدرات نووية، وهذا ما يؤسف له».

البوشيون يلمحون الى احتمال ان تكون ايران ايضاً مشتركة في الهجوم على المجمعات السكنية الغربية في المملكة العربية السعودية، وذلك قبل ان تؤكد اجهزتنا الاستخبارية ذلك. والولايات المتحدة لا يمكنها ترك ايران تروج رغباتها في العراق باقامة حكومة شيعية اصولية فيه.

بعد مشاهدة بيل كريستول لاحد التقارير الصحافية حول وجود احد منظمي الهجوم على المجمع السكني، فقد اسرع الى قرع الطبول في قناة فوكس الاخبارية: «حقاً، ابن اسامة بن لادن يوجد على الارجح في ايران. ويبدو ان «القاعدة» تعيد بناء ذاتها في ذلك المكان. كذلك فايران هي من اكبر مؤيدي الارهاب، ربما بما فيه الارهاب الذي اصاب القدس اخيراً، ولو بطريق غير مباشر على الاقل. فهل انتم على استعداد للتصدي لايران؟» (على ما يبدو ان كريستول مستعد لمشاهدة حرب اخرى من غرفة الجلوس).

الادارة مضطربة بصدد البرنامج النووي الايراني، خصوصاً بعد دفع الملالي للنشاط النووي بعد الهجوم الاميركي على العراق. بعض المحافظين الجدد يتمنون لو هجمت اسرائيل على المفاعل النووي الايراني، كما فعلت مع المفاعل العراقي عام 1981، لكن اسرائيل تريد من اميركا فعل ذلك. البعض من المحافظين الجدد يبثون الشوق للعهد الشاهنشاهي، ويقترحون رضا بهلوي، ابن شاه ايران، ليكون جلبي ايران القادم.

طالبان و«القاعدة» يعودون للحياة، افغانستان والعراق يسبحان في الفوضى، شرطة الاداب عادت لاعتقال النساء في افغانستان، واللصوص يدمرون المواقع الاثرية في العراق. صدام واسامة ما زالا مطلوبين حيين او ميتين. ومع ذلك فالسيناريو متواصل بهذه المعطيات.

من المتناقضات ان الصقور يتشوقون للمثالية عبر نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، ولكنهم لا يهتمون بأبجدية الاعتراف بارتكابهم لأي خطأ، او قيامهم بأي مبالغة. عندما تعرض الـ«سي.اي.إيه» تقريرها، حول حقيقة المعلومات المروجة عشية الهجوم على العراق، سيكون الوقت قد حان للتحقيق في استغلال اجهزتنا الاستخبارية للمعلومات في الفترة التي سبقت الهجوم على ايران.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»