ينجح حيث فشل كلينتون؟

TT

على طريقة «شاهد من أهله» جاءت كلمات زهافا غلؤون قبل يومين: «آمل أن لا نكون أمام تضليل آخر من جانب أرييل شارون، الذي يريد أن يبقينا مع خارطة أخرى في الطريق إلى لا شيء».

زهافا، هي رئيسة كتلة حزب «ميرتس» المعارض، وكانت تعلّق على موافقة الحكومة الإسرائيلية على «خارطة الطريق»، وقد جاء تعليقها مفعما بشكوك عميقة، في أن يلبّي شارون فعلاً متطلبات المباشرة بتنفيذ الخارطة، وخصوصًا في ما يتعلق بتجميد الاستيطان وبتفكيك مواقع استيطانية.

لا ندري إذا كان الأميركيون يملكون مثل هذه المخاوف، وليس من الواضح إذا كان جورج بوش يخشى من أن تكون تجربته في محاولة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، عبر وضع «رؤيته» موضع التنفيذ، أفضل من تجربة سلفه بيل كلينتون التي انتهت بالخيبة وبفشل ذريع!

سيكون من الضروري أن يتذكر الرئيس الأميركي، عندما يتوجّه إلى شرم الشيخ، حيث قيل إنه يمكن أن يعقد «قمة ثلاثية» تجمعه مع شارون ومحمود عباس خلال الأيام القليلة المقبلة، أن جدران القاعة هناك، كانت قد شهدت دفنًا حقيقيًا ونهائيًا لتلك الأفكار التي نوقشت دون جدوى، في اطار «كمب ديفيد 2» الذي جمع كلينتون مع إيهود باراك وياسر عرفات، وعُرفت يومها بـ«مبادئ كلينتون» للتسوية، لكنها ذهبت معه إلى المنزل.

من واجب جورج بوش أن يدقق مليًا في هذه الوقائع، لأن ذهابه إلى المنزل، هو أيضًا، حاملاً معه «رؤيته» للتسوية في الشرق الأوسط أمر غير مستبعد على الإطلاق، وخصوصًا في ظل مجموعة من القرائن والوقائع، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: أن بوش سيكون عاجزًا عمليًا عن ممارسة ضغوط فعلية على شارون لإقناعه بتنفيذ متطلبات تنفيذ «خارطة الطريق»، وذلك لأسباب تتصل بحساباته الانتخابية، حيث للصوت اليهودي دور أساسي في سعيه لتجديد ولايته. ولا شك في أنه يعرف ضمنًا كما يعرف شارون والجميع، انه كلما اقتربنا من موعد الانتخابات ابتعدنا عن إمكان تنفيذ هذه الخارطة.

ثانيًا: ان قبول واشنطن بالشروط والمحاذير الإسرائيلية وعددها 14، وصدور بيان رسمي أميركي بهذا المعنى، أتاح لشارون وضع ألغام وأفخاخ في طريق عملية تنفيذ «خارطة الطريق»، وخصوصًا في ما يتعلق بالشروط التفصيلية لموضوع وقف «العنف الفلسطيني» والمدى الذي تصل اليه، وبالقدس وحدود الدولة الفلسطينية وحقّ العودة.

من هذه الزاوية تبدو موافقة الحكومة الإسرائيلية على الخارطة بمثابة موقف تكتيكي الهدف منه، أولاً، عدم الظهور في مظهر من يُفشِل الخارطة وخصوصًا بعد الموافقة الفلسطينية عليها، وثانيًا عدم إفساد السعي الأميركي لإظهار بوش في مظهر من يريد السلام أيضًا في الشرق الأوسط، لا الحرب في العراق وغيره.

ملخّص القول هنا ان الموافقة الإسرائيلية على الخارطة الآن، لا تعني عدم القدرة على نسفها وإفشالها غدًا.

ثالثًا: ان الرهان على فشل الخارطة من خلال الانقسام الفلسطيني من حولها يبقى قائمًا ومتقدمًا أيضًا، وهو رهان يتجاوز حدود الانقسام داخل الصف الفلسطيني إلى المراهنة على «حرب أهلية» بين الفلسطينيين، والدليل هنا يتمثل في مواصلة إسرائيل سياسة المطاردة والاجتياح والتصفيات. فحتى في لحظة الاعلان عن قبول الخارطة كانت الدبابات الإسرائيلية تجتاح طولكرم.

ومن الواضح ان الاجتياحات على طريقة «الباب الدوّار» ستبقى قائمة، بمعنى انه إذا انسحبت إسرائيل جزئيًا من المدن الفلسطينية لتطالب الحكومة الفلسطينية بنزع المنظمات الفلسطينية وتفكيكها، فانها تبقى قادرة على العودة بسرعة، مع ان الرهان يبقى على اندلاع حرب بين الفلسطينيين.

رابعًا: هناك اختلاف جذري في القراءة الأميركية لانعكاس سقوط العراق على شروط التسوية في الشرق الأوسط وفي القراءة الإسرائيلية لهذا الانعكاس.

وإذا كان بعض من في الإدارة الأميركية ينصح بوش بإنجاز التسوية عبر تنفيذ «خارطة الطريق» لاضفاء صدقية على صورة أميركا أمام العرب والمسلمين، فإن البعض الآخر من أمثال بول وولفويتز وريتشارد بيرل يعكسون وجهات نظر شارون والليكود بأن من غير المقبول إعطاء الجوائز للفلسطينيين والعرب «الذين صفّقوا طويلاً لصدام حسين»!

خامسًا: ان تنفيذ «خارطة الطريق» يحتاج عمليًا إلى وجود قرار أميركي حازم لا يتردد في لي ذراع شارون إذا اقتضى الأمر، وهو ما يبدو مستحيلاً تمامًا، كاستحالة التصديق ان بوش سينجح حيث فشل كلينتون، إذا عُقدت القمة الثلاثية في شرم الشيخ.