إسرائيل تلعب بخريطة الطريق

TT

تتفق اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الامريكية، والوحدة الأوربية، واتحاد روسيا، والأمم المتحدة، على ان خريطة الطريق، خطة سلمية للتطبيق وليست للتفاوض، وهو ليس رأياً يدور الخلاف حوله، وانما مبدأ لا يصح المساس به، ويثبت صحة ذلك ما قررته اللجنة الرباعية عند اصدارها خريطة الطريق، بأن السلام في الشرق الأوسط قضية دولية حيوية، غير قابلة للنقض من احد الاطراف الاقليمية بالتفاوض حولها او وضع الشروط عليها، استناداً الى اكتسابها الشرعية من الارادة الدولية التي مثلتها اللجنة الرباعية التي قامت بتحديد مبادئ السلام في الشرق الأوسط، وحددت مراحل تطبيقه بالصياغة التي قدمتها للعالم باسم خريطة الطريق.

سارعت اسرائيل الى المراوغة بالتحفظ على ما جاءت به اللجنة الرباعية من خطة سلمية لتكسر الجدول الزمني لمنع قيام الدولة الفلسطينية في موعدها المقرر عالم 2005 وتفتح مسارات سياسية بعثرات اقتصادية تستهدف بها تفريغ خريطة الطريق من كل مضامينها السلمية الحقيقية حتى تفشل خطة السلام الدولية على جميع الأصعدة من بداية التطبيق لها.

لا شك ان اسرائيل عرفت من لدنها، او بايحاءات لها من امريكا، بأن ابرز معالم القوة في خريطة الطريق انها للتنفيذ وليست للتفاوض، فلجأت الحكومة الاسرائيلية الى وضع التحفظات على ما جاء بها، لتجعل التنفيذ لها يمر من باب التفاوض عليها، الذي يسمح بصورة غير مشروعة بادخال التعديلات على الاحكام الواردة في بنودها فتتحول من خطة سلمية محكمة الاركان الى مسخ سياسي يدور حول نفسه، يقترب من السلام دون ان يصل اليه فيدخل في زمرة مشاريع وخطط السلام السابقة، ويصل الى نفس مصيرها بالرمي في سلة المهملات.

استطاعت اسرائيل بمراوغة رئيس وزرائها اريل شارون الذي وصل الى حد اعلانه رفض خريطة الطريق في اثناء اجتماعه برئيس الوزارة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن)، ان يصل الى ما يريده من خطة السلام (خريطة الطريق) بغرض التفاوض عليها قبل التنفيذ لها، ونجحت هذه المراوغة بالدعم اليميني المتطرف بالسلطة والحكم في تل ابيب وواشنطون، وبالتأييد غير المحدود من قبل التعصب الديني في اسرائيل، والهوى الصهيوني في امريكا.

تحت مظلة هذا الانتصار الاسرائيلي على الارادة الدولية التي مثلتها اللجنة الرباعية، من دون ان يجرؤ احد على وصف هذا الانتصار الاسرائيلي بعدم الشرعية الدولية، بعد ان اصبحت مخالفة الشرعية الدولية «موضة» سياسية في العلاقات الدولية، ابتدعت خطوطها واشنطون بضرب العراق والانتصار عليه بدون موافقة مجلس الامن.

اعلنت الحكومة الاسرائيلية يوم السبت الماضي 25 مايو عام 2003م موافقتها على «خريطة الطريق» الدولية للسلام، هذه الموافقة الصادرة من مجلس الوزراء الاسرائيلي تفتقد للشرعية الدستورية، التي تشترط الاغلبية الموصوفة بثلثي اعضاء مجلس الوزراء لاصدار قراراته، وهذا يتطلب موافقة 16 وزيراً من اصل 23 وزيراً عند اتخاذ قراراته، فتعمدت اسرائيل ان تعلن بأن موافقتها على «خريطة الطريق» استندت الى 12صوتا من اعضاء مجلس الوزراء، وعارضها 7 أصوات وامتنع عن التصويت عليها 4 اصوات، لتثبت من البداية بأن قرار مجلس الوزراء «باطل» استناداً الى فقدانه للشرعية الدستورية، فيحق للحكومة، وكذلك للبرلمان (الكنيست) في اي وقت يشاءان بصورة منفردة، او بموقف موحد لهما، او بالتنسيق بينهما، الاعتراض على خريطة الطريق، والغاء موافقة مجلس الوزراء عليها، لتناقض هذه الموافقة مع احكام الدستور الاسرائيلي.

رحب الرئيس الامريكي جورج بوش بهذه الموافقة من اسرائيل على خريطة الطريق، وهو يعلم أنها فاقدة للشرعية الدولية على المستوى العالمي، وللشرعية الدستورية في داخل اسرائيل، ودعا الى عقد قمة ثلاثية يشارك فيها معه، رئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون، ورئيس الوزارة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن)، ويتردد في الاوساط الدولية بأن القمة الفورية التي يدعو اليها الرئيس الامريكي جورج بوش، ولم يتحدد موعدها بعد، ستعقد اما بشرم الشيخ في مصر، اذا اريد مشاركة الرئيس المصري محمد حسني مبارك فيها، واما ان تعقد في مدينة جنيف السويسرية اذا اتفق على قصر القمة، على امريكا واسرائيل وفلسطين.

لا يختلف احد بأن هناك تطاولا امريكيا على شركائها الثلاثة في اللجنة الرباعية، التي قامت باعداد وصياغة خريطة الطريق، وجاء تطاولها بعدم دعوة الوحدة الاوروبية، واتحاد روسيا، والامم المتحدة الى القمة المتعلقة بالصلح الاسرائيلي الفلسطيني تحت مظلة خريطة الطريق، ويبدو ان تجاهلهم من واشنطون جاء مقصوداً لتداري «لعب» تل ابيب بالخطة السلمية، التي شوهتها بالحذف منها والاضافة لها، حتى اصبحت شيئاً مختلفاً تماماً عن خريطة الطريق في اصولها واهدافها، بالخروج عليها عن طريق فرض الرؤية الاسرائيلية في الصلح مع الفلسطينيين، الذي صاغته بصورة ملتوية حتى تجعله يعطي لها ولا يأخذ منها، وهو وضع لن يقبل به الاعضاء الثلاثة الذين شاركوا امريكا في اللجنة الرباعية، مما جعل تل ابيب وواشنطون لا تأمنان جانبهم اذا دخلوا القمة، فعملتا على ابعادهم عنها حتى لا يفضحوا التلاعب الاسرائيلي بخريطة الطريق والمطالبة بالعودة الى قواعدها التي تطالب بالتنفيذ لاحكامها بدون التفاوض على ما جاء بها من مبادئ للسلام.

ان عقد القمة الثلاثية بامريكا واسرائيل والفلسطينيين بدون بقية اعضاء اللجنة الرباعية، يفقد هذه القمة الشرعية بتغيب من شارك في وضع وصياغة خريطة الطريق عن مسارات تنفيذها العملي فوق ارض الواقع، وليستند هذا القول الى اجماع جمهرة فقهاء القانون الدولي العام على حتمية مشاركة واضعي الخطة الدولية في خطوات تنفيذها على ارض الواقع، ولا تنعدم فقط هذه الشرعية الدولية عن القمة الثلاثية بسبب هذا الغياب للجنة الرباعية عنها، وانما تفتقد ايضا بفتح ابواب الحوار للتفاوض في داخل القمة الثلاثية حول خريطة الطريق بدلاً من الشروع في تنفيذها وفقا لما جاء في نصوص احكامها.

زاد من الغبن بهذه الحوارات التفاوضية المحرمة بالصياغة الموضوعة لخريطة الطريق، اشتراط رئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون عدم السماح لأي طرف في القمة الثلاثية بالدخول في مفاوضات بعيداً عن التحفظات الاسرائيلية الخمسة عشر على خريطة الطريق، وهذا يدل على ان الشروط الاسرائيلية تجبُّ الاحكام الواردة بوضوح وصراحة في متن خريطة الطريق.

انشطر الموقف الفلسطيني من القمة الثلاثية وعبر عن جانب منه مستشار الرئيس الفلسطيني نبيل ابو ردينة بقوله «نرفض موافقة اسرائيل المشروطة»، وعبر عن الجانب الآخر وزير الاعلام نبيل عمرو مرحبا بتصريحات رئيس الوزارة اريل شارون التي تقر بالارض والدولة الفلسطينية في مقابل السلام. وعدم وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة التلاعب الإسرائيلي بخريطة الطريق يجعل القضية الفلسطينية في مهب الريح.