من عفلقيات البعث

TT

يظهر ان ميشيل عفلق مصر على اثارة الشكوك والخلافات حتى بعد موته، فما ان ذكرت انه دفن في مقبرة الامام الاعظم حتى صححني السيد سليمان الحكيم وقال هذا غير صحيح، لقد دفن في ضريح مستقل في كرادة مريم.

هذا شيء مفرح، يستطيع الآن الامام ابو حنيفة والشاعران الزهاوي والرصافي ان يعيشوا في قبرهم في راحة وسلام بعيدا عن مؤسس حزب البعث ونظرياته.

ولكن موضع قبره لم يكن العنصر الوحيد الذي اثاره بمماته. لقد وافاني الدكتور وسام قندلا بتصحيح آخر يتعلق بديانته. الحقيقة انني استغربت في حينها عندما وردنا النبأ من بغداد ان ميشيل عفلق قد اعلن اسلامه في الدقائق الاخيرة من حياته، المعتاد في الدقائق الاخيرة من حياة أي انسان هو ان يعود ذلك الانسان لدين آبائه واجداده، الدين الذي نشأ عليه في طفولته. وهذا هو السر في حياة التشرد التي يعيشها الآن صدام حسين في آخر حياته. فهذا هو شأن آبائه واجداده من اهل العوجة، قطاع طرق خارجين عن العدالة، لقد عاد اليها. ولكن الاعلام العراقي أفاد ان ميشيل عفلق فعل عكس ذلك فأسلم. اعلمني احد المطلعين ان ذلك كان زورا وكذبا، ليس من الرجل الراحل وانما من السلطة التي رحلته، فقد وجد صدام حسين مشكلة بعد ان وضع «الله أكبر» على العلم العراقي، في ان يدخل الكنيسة. ويقف خاشعا امام الصليب وكامرات التلفزيون مسلطة عليه ويشارك المسيحيين في القداس. فما هو الحل؟ ابو عدي طبعا يحل أي مشكلة. قال لا تأخذوه للكنيسة. ادفنوه مع المسلمين. قالوا ولكنه نصراني. قال اجعلوه مسلما. قولوا انه اسلم قبيل موته. وهو ما جرى. وهكذا وقف الامام على قبره يصلي عليه صلاة الميت ويقرأ له سورة الفاتحة ويلقنه. انت يا ميشيل عفلق سيأتيك ملكان احدهما منكر والثاني نكير. يسألانك عن اسمك فقل لهما بلسان عربي فصيح انا ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث. يسألانك عن ربك فقل الله ربي والاسلام ديني والكعبة قبلتي.. يا عيني على المسكين ميشيل عفلق، يسمع كل هذه الكلمات فيلعن صدام حسين وكل من عرفه به ونصبه واليا عليه في حياته ومماته. ويا عيني ايضا على الامام المسكين الذي كلفوه بهذه المهمة الزائفة.

المسكين ميشيل عفلق! عاش ولم ير الوحدة العربية ومات ولم يسمع القس يتلو عليه غفران الكنيسة وصلواتها. استمع بدلا من ذلك الى الشيخ ابو محمد يتلو عليه سورة الفاتحة.

لم يكن صدام حسين عبئا على نصارى العراق والكنيسة العراقية في هذه القضية فقط، بل ايضا وبما هو أسوأ منها، فعندما قتل ابنه «الشفيّه» ذلك الرجل المسيحي في سكرة من سكراته العارمة وحفلاته الماجنة اصر صدام حسين ان يدفن ذلك الرجل داخل الكنيسة، وهو طبعا أهون من الادعاء بأنه هو ايضا اسلم. ولكن راعي الكنيسة حاول الاعتذار عن ذلك بأن الكنائس العراقية لا تدفن احدا داخل البناء غير الاساقفة. لا يدفنون حتى القسسة هناك، ناهيك عن رجل سكير سيئ السمعة مات في ظروف مثيرة للشبهات. ولكن، ابو عدي أصر على ذلك. وأي مطران يستطيع ان يقول لا للقائد المنتصر، فحفروا له حفرة قريبة من الباب ودفنوه فيها على مضض. وجلسوا ينتظرون حتى مرت بضع سنوات فجاءوا بأحد المهندسين ليعيد تصميم الكنيسة ويهدموا جدارها ويعيدوا بناءها قليلا الى الوراء بما يجعل ذلك القبر خارج مبنى الكنيسة. وهذه مأثرة أخرى من مآثر صدام.

والآن وقد زال هذا الكابوس من كاهل نصارى العراق ومسلميه ويهوده، فدعوني اقترح على السلطات الكنسية العراقية ان تنقل رفات رفيق عدي هذا الى ضريح ميشيل عفلق وتنقل ميشيل عفلق الى جوار الكنيسة بما يسمى في عالم اللاهوت بتبادل الآثام والخطايا.