ترتيب البيت الفلسطيني... والإسرائيلي

TT

يدور التساؤل حول ما اذا كانت «خريطة الطريق» هي الخطوة الاخيرة في طريق التسوية السلمية بعد 12 عاما من مؤتمر جنيف واتفاقيات أوسلو، أم انها لن تصل الى الهدف المطلوب لتحقيق السلام، وذلك لتعارض المواقف بين السلطة الفلسطينية التي بادرت بالاعلان عن قبولها، وبين الحكومة الاسرائيلية التي قررت اخيرا الموافقة على الخطة مع ابداء العديد من التحفظات.

اسلوب شارون الذي يقيم العراقيل ويثير المصاعب ـ وآخرها التحفظات على الخطة وخصوصا عودة اللاجئين ـ امام «خريطة الطريق» التي اعلن «أبو مازن» انها صدرت للتنفيذ وليس للمفاوضة، وسوف يضع الامور في مأزق من جديد، حيث ان الادارة الاميركية قد قررت ان يلتقي الرئيس بوش مع كل من شارون وأبو مازن في منتجع شرم الشيخ لمدة يومين لمحاولة الوصول الى اتفاق كامل ونهائي بعد ان كانت لا تضغط بالدرجة الكافية على شارون لتنفيذ الخطة وتعلن بدلا من ذلك انها تتفهم الاعتراضات الاسرائيلية، وهكذا كانت تواصل سياسة المعايير المزدوجة والكيل بكيلين مما يحرض المتطرفين الاسرائيليين والعنصريين من رجال الجيش على مواصلة جرائمهم العنصرية.

ومنذ ايام اعلن وزير الامن الداخلي الاسرائيلي بأن اسرائيل ستسمح قريبا لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الاقصى، الذي يقول المتطرفون انه قد اقيم في موقع هيكل سليمان، متجاهلة ما احدثته زيارة أرييل شارون يوم 28 سبتمبر 2000 للمسجد الاقصى في عهد وزارة باراك واندلاع الانتفاضة الفلسطينية منذ ذلك الحين.

كان مفروضا على حكومة شارون اذا كانت حقا ترغب في السلام ان تقدم لحكومة محمود عباس «أبو مازن»، التي ايدت قيامها واستقبل شارون رئيس وزرائها، بعض المظاهر التي تتجاوب مع قناعة رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي اعلن صراحة رغبته في وقف العنف، والبدء في تنفيذ خريطة الطريق، ولكن الامر المؤكد ان شارون يتعاون مع احزاب يمينية ودينية متطرفة تدفعه الى اتخاذ مواقف لا ترضى عنها الجماهير، الامر الذي يحتاج الى إعادة ترتيب البيت الاسرائيلي بقيام تحالفات جديدة لتشكيل حكومة اسرائيلية راغبة وقادرة في تحقيق السلام. فحزب «المفدال» و«اسرائيل بيتنا» واعضاء من «الليكود» يرفضون الخريطة من الأساس.

وقد اظهرت الايام ان أرييل شارون ليس حريصا على تحقيق السلام لشعبه وشعوب المنطقة، وانه ما زال يتبنى الفكر الليكودي الذي يطمع في استيطان ارض ليست ملكا لشعبه، كما انه لا يهتم بالاتفاقيات التي سبق توقيعها مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وانه لا يساند الوزارة الجديدة التي شكلها «أبو مازن»، لانها منذ تولت مسؤوليتها والقوات الاسرائيلية المسلحة تواصل اسلوبها الدموي في الحصار وقتل الابرياء وهدم المنازل، وتدمير البنية الاقتصادية وتطبيق سياسة العقاب الجماعي من دون تقدير أو احترام للقوانين الدولية وتتمادى في ذلك الى حد المطالبة بإبعاد ياسر عرفات عن ارض فلسطين كما جاء على لسان وزير الدفاع شاؤول موفاز.

وهنا لا بد من التأكيد ان موقف ياسر عرفات لا يختلف استراتيجيا مع موقف محمود عباس، فهما معا يعملان من اجل التسوية السلمية بعيدا عن العنف وقتل الابرياء، ودليل ذلك ادانتها المشتركة للعمليات الاستشهادية التي تمت اخيرا ردا على اسلوب شارون من جانب بعض التنظيمات الفلسطينية التي تجد في ذلك حقا مشروعا لتحرير الارض من الاحتلال، وهو اتجاه لا يمكن ادانته طالما هناك احتلال اسرائيلي يرفض الانسحاب.

ولا شك في ان ترشيح ياسر عرفات لأبو مازن وموافقة المجلس التشريعي على تعيينه رئيسا للوزراء هو دليل على توفير قدر عال من الوحدة الوطنية، وما زلنا نذكر تصريحات «أبو مازن» التي اعلن فيها اهتمامه الرئيسي بتحرير ياسر عرفات من الاعتقال والاقامة الجبرية داخل رام الله في الضفة الغربية، ولكن الامر يحتاج الى حوار عميق بين مختلف التنظيمات الفلسطينية حتى يكون لها موقف ورأي موحد في مواجهة الحكومة الاسرائيلية التي تهدر كل فرص السلام والمسؤولية تقع على من يحتل الارض وليس على من يدافع عن تحرير الارض.

يجب أن نحرم حكومة اسرائيل من أية فرصة تحاول بها تصوير النضال الوطني من اجل تحرير الارض كعمل ارهابي، خاصة ان جميع حركات التحرر الوطني في العالم التي بدأت نضالها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قد حققت اهدافها واصبحت دولا مستقلة وأعضاء في الأمم المتحدة عدا فلسطين التي ما زال شعبها يقاوم في بسالة وتضحية مشرفة.

وحوار التنظيمات الفلسطينية ضرورة وطنية فلسطينية، وضرورة قومية عربية ايضا لان النتائج التي يتوصلون اليها سوف تكون الهادي والمرشد لنضال شعب فلسطين ومعه أمته العربية من أجل اقامة دولة فلسطين التي اغتصبت ارضها منذ 55 عاما في 15 مايو 1948، ومنذ ذلك التاريخ وشعب فلسطين بعيد عن الامن والاستقرار، يقدم الدماء والتضحيات من اجل اقامة دولته.

اذكر عام 1984 عندما دعت اللجنة المصرية للتضامن الى اقامة مؤتمر عربي في القاهرة لدعم حق شعب فلسطين في تقرير المصير، وان المؤتمر لم يعقد ليس اعتراضا على اهدافه لدعم حق شعب فلسطين في تقرير المصير، ولكن تحاشيا لخلافات كانت تثور وقتها بين التنظيمات الفلسطينية حول اسلوب التعامل مع مصر بعد اعلان اتفاقيات كامب ديفيد التي وقعها انور السادات ومناحم بيغن، والتي ادت الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ومعظم العواصم العربية، ونقل مقر الجامعة العربية الى تونس، واستجاب ياسر عرفات لفكر تأجيل المؤتمر تحاشيا لاي صدام فلسطيني ـ فلسطيني، وارسل خطابا يعتذر فيه عن عدم عقد المؤتمر في موعده رغبة على حد تعبيره في (ترتيب البيت الفلسطيني).

وترتيب البيت تعبير صادق سياسيا في كل مراحل النضال، ولا شك اننا نحتاج اليه اليوم اكثر من اي وقت مضى، تأكيدا للوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوحيدا للموقف والرؤية الشعبية الفلسطينية، ودعما للروح القومية العربية التي ترتبط تماما بمصير شعب فلسطين.

ولا يقتصر الامر على ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني فقط، ولكن لا بد ان يشمل الامر ترتيب البيت الاسرائيلي عن طريق تشكيل حكومة تحصل على ثقة الكنيست لا تعتمد على الاحزاب اليمينية المتطرفة، وانما على جبهة وطنية تشكل من احزاب تؤمن وتلتزم بمواقف سلمية ادراكا منها للمصلحة المشتركة بين شعوب المنطقة وشعب اسرائيل.