ماذا فعلتم لضحايا أفريقيا؟

TT

اريتريا، هذه الدولة الناشئة، تنبأ لها البعض خلال التسعينات بمستقبل زاهر، وبأن تصبح رمز النهضة الأفريقية. فقد ازدهر اقتصادها وحظيت بزيارة هيلاري كلينتون.

لكن نهضة أريتريا باتت معرضة للفناء، بعدما تحولت، الآن على ما يبدو، إلى دولة صغيرة مستبدة يحكمها نظام سفاح. فقد القت برجال دين مسيحيين في السجون، وأودعت في المعتقلات من الصحافيين ما يزيد على أية دولة في قارة أفريقيا، وها هو النظام الذي عزز ذات يوم من مكانة المرأة يعتدي عليها اليوم.

والقطاع الخاص يتعرض لقيود تبدو في معظمها من صنع الخيال، ولم تعد الجمعيات الخيرية تحظى بالقبول. وها هو الزعيم الذي حرر شعبه قبل عقد مضى يدفع به نحو الموت جوعا.

وبنفس الطريقة، وقعت معظم دول أفريقيا ضحية دوامة. وبينما استحوذ العراق على اهتمامنا، ها هي المجاعة تهدد أكثر من 40 مليون نسمة في أفريقيا. ويبدو أن دول غرب أفريقيا وقعت ضحية سلسلة متواصلة من الحروب الأهلية، كما أن معظم وسط أفريقيا يعاني من كارثة طوال العقد الماضي.

ففي الكونغو، التي أتابع أوضاعها باهتمام، منذ ملاحقة رجال قبائل التوتسي لي في الأدغال لعدة أيام خلال عام 1997، وطبقا لدراسة أعدتها لجنة الإغاثة الدولية، لقي ما يقرب من 3.3 مليون نسمة مصرعهم بسبب القتال الدائر هناك خلال الأعوام الخمسة الماضية. وهو رقم يقترب من نصف عدد ضحايا النازية من اليهود، لكن في دولة واحدة.

قد يسألنا أطفالنا وأحفادنا، ببراءة، «ماذا فعلتم خلال المحارق التي تعرض لها سكان أفريقيا؟».

بعض الدول الأفريقية، كأوغندا وجزر موريشيوس وغانا وموزمبيق، تشهد ازهارا، يشير إلى أن دول القارة يمكن أن تنمو. لكن نقاط الفشل تفوق في عددها تلك النجاحات: فمعدل وفيات الأطفال في كينيا ومالاوي وزامبيا ارتفع خلال التسعينات، كما إنخفض عدد الملتحقين بالمدارس الابتدائية في الكاميرون وليسوتو وموزمبيق وتنزانيا، وتصاعدت أرقام الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في أنحاء القارة الأفريقية.

وحذر جيمس موريس المسؤول عن برنامج الغذاء العالمي قائلا: «إننا نخسر المعركة ضد الجوع».

الأمر الذي يعني أن الوقت قد حان لكي نعيد التفكير في أوضاع هذه القارة. فأفريقيا بشكل عام لم تحقق النجاح المطلوب، كما أن سياسات الغرب تجاهها فشلت هي الأخرى إلى حد كبير.

ويبدو أن أريتريا تشكل مثالا لسوء التخطيط. ولمزيد من التأكيد، فإنها مازالت دولة فاتنة وشعبها رقيق. وما يزال الرئيس أسياس أفورقي يتجنب التهويل من مكانته، وبدلا من تمثال الرئيس، ينتصب في الساحة الرئيسية مجسم هائل لنعلين، يرمزان للكفاح من أجل الاستقلال.

لكن أفورقي خاض حربا لا معنى لها مع إثيوبيا بدءا من عام 1988. والأن تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من نصف الموازنة المالية للدولة مخصص للجيش. وها هو المرفأ البحري الرئيسي في البلاد هادئ لأن التجارة مع إثيوبيا توقفت، وقد تم استدعاء معظم السكان القادرين على العمل، للخدمة العسكرية، وهكذا فقدت العائلات من يمكنه ان يحرث الأرض ويكسب لقمة العيش. وبات نحو مليون أريتري مهددين بالمجاعة.

لا يوجد حل بسيط لمشاكل أفريقيا، لكن هناك بعض الأفكار الجيدة التي يمكن الحديث عنها:

- فالقوى الغربية يمكن أن تكفل أمن حكومات أفريقيا التي تلزم نفسها بالديمقراطية. وهذه الفكرة، التي ستمكن الدول الديمقراطية من استقطاب المزيد من الاستثمارات، مفصلة في كتاب جديد رائع يحمل عنوان «تنمية أفريقيا المحبطة».

- يتصارع المتحررون والمحافظون بشأن العديد من القضايا، لكنهم عموما يتفقون على الحاجة إلى عملية الغاء ديون واسعة. فديون أفريقيا الخارجية التي تقدر بـ217 مليار دولار تضيق عليها الخناق.

ـ يمكن التفكير في التجارة بطريقة تفوق التفكير في المساعدات. إذ يمكن للحوافز المتعلقة ببناء مصانع زهيدة الثمن في السنغال وإثيوبيا أن تؤدي إلى تكرار نجاج بنغلاديش في تصدير الملابس.

ـ علينا التخلي عن السياسات الزراعية الاشتراكية المعمول بها في أوروبا وأميركا. فدعم الغرب لمنتجاته الزراعية يكبد الدول الفقيرة قرابة 50 مليار دولار أميركي على شكل صادرات زراعية مهدرة.

وأفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لمساعدة الديمقراطيات الناشئة مثل مالي سيكون وقف إنفاق قرابة ملياري دولار أميركي من أموال دافعي الضرائب على مزارعي القطن في أميركا (ممن يبلغ حجم إجمالي ممتلكات الواحد منهم 800 ألف دولار)، بحيث يتمكن فلاحو مالي من إنتاج ما يكفي حاجة السوق العالمية.

لكن السؤال هنا: هل يمكن لأي من هذه الأفكار أن تؤتي ثمارها؟

أنا شخصيا لا أعلم، لكن أفريقيا تبدو محطمة، وهي حاجة لأعلى مستوى من الاهتمام لكي تعالج أوضاعها. وقد كانت مبادرة الرئيس بوش المتعلقة بالمليارات الخمسة عشر المخصصة لقضية الإيدز، خطوة مهمة، كما ثبت أنها حظيت بشعبية واسعة مدهشة في أنحاء الولايات المتحدة.

وهكذا قد يحقق التعاطف مع أفريقيا نوعا من المردود السياسي، كما أن هذه مسألة يمكننا من خلالها إعادة بناء الثقة مع أوروبا، إنطلاقا من لقاء قمة مجموعة الدول الثماني الذي سيعقد خلال الإسبوع المقبل.

ويمكن لجولة بوش المقررة في أفريقيا خلال هذا العام أن تمثل البداية الصحيحة لجهد أميركي كبير يستهدف مساعدة أفريقيا في الوقوف على أقدامها.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»