رقصة على تخوم الجحيم

TT

بعض اليأس لا بأس به.... هكذا يقول مازن الصالحي في رسالة هامة لا تكتفي بتشريح اسباب اليأس العربي لكنها تلح على اساليب صالحة للمقاومة حتى في ساعات اليأس المطلق، وهذه نتيجة من بديهيات الحياة لا يدركها الظالمون والمستبدون الذين لا يعرفون ـ ومعظمهم جهلة ـ ان لقدرة المظلوم على التحمل حدودها، وان انفجاره في وجه ظالميه حتمية واضحة لاي سبب بعد ان يبلغ السيل الزبى ولا يظل هناك أي ذرة تحمل.

وقد كانت هذه الامور جلية في اذهان من ابتكروا المثل العربي المعبر ـ القشة التي قصمت ظهر البعيرـ فالجمل يحمل الكثير الى ان يعجز عن قشة اضافية والفرق بينه وبين الانسان، ان الثاني يثور ولا يكتفي بالبكاء على ظهره المكسور.

البأس في كل انواع اليأس فبعضه قتال وكله يؤذي الروح والجسد، اما البدائل فيخلقها كل انسان حسب ظروفه ولا اظن ان هناك وصفة جاهزة لكل الانواع والاصناف. ومن حسن الحظ ان مازن الصالحي اقترح بعضها وهذا دليل اخر على قدرة اليأس على اقتراح بدائل ومخارج لعل اصعبها على النفس ان تدير ظهرك للمشكلة وتهرب منها بدل ان تحلها او يكون لك على الاقل شرف المحاولة في الحل لترضي ضميرك ذلك المحاسب اليقظ الذي لا مهرب منه والذي سيتبعك الى اخر الدنيا مهما هربت، هذا ان لم يكن مستترا طبعا. ولأهمية ما في تجربة صاحب هذه الرسالة من احباط خلاق ـ إن صحت التسمية ـ لنقرأها معاً ونحن ننظر شذرا وغيظا وقهرا وعنادا في وجه من اوصلونا الى هذه المرحلة التي نبرر فيها نتائج اليأس وبعض اشكاله المخففة التي تقف على حدود وادي الجحيم حيث اليأس المطلق المخيف بكل اشكاله المرعبة، وهو لا يشبه ابدا ذلك اليأس المخفف الذي يشبه وقفة على ضفاف النار تظل محمولة ومقبولة مقارنة بمن يرقصون فوق الجمر بقلوب واعية واعين مفتوحة

هجرت الجمال وغاب عنها الامل:

الأستاذ العزيز، محيي الدين اللاذقاني،

لا بد من اليأس من محاولة الاستمرار كما نحن. عندما كنت أعيش في الغرب، كانت تبدو الحلول أكثر وضوحاً، لأن هناك مسلّمات أساسية لم أكن بحاجة إلى بذل جهد هائل للاتفاق عليها، ومن ثم الانطلاق منها. ولكن عندما تعود يا أستاذ محيي الدين إلى هذه البلاد، تلمس بنفسك حجم العطالة الهائل الذي يواجه أي مشروع إصلاحي مهما كان متواضع الطموح. جرب أن تزور دائرتين حكوميتين في نفس اليوم مثلاً، أو أن تحضر مهرجاناً ثقافياً وترى كمية الكذب والنفاق والخوف الذي تملأه، أو أن تسمع خطبة وتشعر بالجرعات الجنونية من المخدر الذي يُحقن بها الجالسون بأدب، أو أن تخطب لولدك وتشعر بعمق الكذب المتشرب في نفوس الناس. وأضرب هذه الأمثلة مع ثقتي بأنني لا أخبرك بما لا تعرف يا أستاذ محيي الدين. وليت الأمر يقتصر على هذا الركام من الأخطاء والخطايا، بل إن الأولويات الأولى المطلوبة لبدء عملية خلق البدائل كما سميتها، غير موجودة، بل محظورة.

لقد تحدثت مع عدد من الأشخاص ذوي الحظوظ العالية من التعليم، بعد عاصفة بغداد، فإذا بي ما أزال أسمع نفس النبرة الإقصائية التفتيتية القديمة: هذا علماني وهذا شيعي وذاك كافر وذاك رجعي وتلك عاهرة وهؤلاء سلفيون وأولئك رُفّض، وهذا «حليق» وذاك «بيطوبز»، والقائمة طويلة، ومضمون فيها مكان لي ولك ولكل إنسان عربي.

إن آلية التفكير الجماعي معطلة تماماً عندنا، فنحن مجتمع غير قادر على التفكير أو التعلم.

نعم، نحن عراة، وبلا مستقبل وبلا كرامة وبلا قدرة، بمن فينا الكويتيون، الذين يتوهمون ان ما جرى نصرٌ لهم.

يا أستاذ محيي الدين، لقد قاومت طويلاً فكرة الهجرة، ولكنني الآن أمشي في إجراءاتها.

و حتى تأتي الفيزا، وفيما أنا ما أزال أعيش في بلاد العرب، فلن أقبل بعد الآن أن يأخذ «مسؤول» دوري على طابور الخبز، ولن أقبل أن يحتفظ موظف حكومي بالباقي من «الفراطة»، ولن أقبل أن أبتسم بتواضع بحضور أمير أو وزير.

أرجو أن تكتب المزيد عن هذه المواضيع.

تحياتي

مازن الصالحي

شكراً من القلب