العراق في المستشفى!

TT

في قاعة الانتظار، الخاصة بغرفة العمليات في احد مستشفيات جدة، جلست انتظر انتهاء اجراء عملية طفلي الصغير، تلفني مشاعر والد ابنه تحت مشرط الطبيب. لم يلفت نظري في القاعة الا صوت محلل سياسي يتحدث عن اوضاع العراق. نظرت الى جهاز التلفاز واذا بلقطات لجثث وبقايا بشر على الشاشة! كان المشهد لمن لم يشاهده كذب في التحليل، تصحبه صور لاضفاء المصداقية!

بالطبع ليس الوقت للوم القناة التلفزيونية، لكن الاستغراب في عدم احترام خصوصية الظرف والمكان لمن اختار تلك القناة. وهذا حالنا اليوم! ففي مجالس الافراح يخيل لك انك في جلسة برلمانية، الكل يتحدث فيها عن السياسة، دون تمييز للمغلوط من الاخبار او الكذب الصريح. بل في صحبة جمعتنا مع نخبة من المثقفين بالكاد تواصل الحديث عن خطط التنمية وعيوبها، لأن الجميع كان منشغلا بمتابعة مسابقة ملكات الجمال التي كانت تبث على الهواء مباشرة!

والحال يسري على مدارسنا، فيذهب طفلك للمدرسة لتتوقع منه، عندما يعود للمنزل، ان يسألك عن مغزى بيت من الشعر او عن معادلة رياضية، فيفاجئك بالسؤال ان كان ذلك حلال او حرام؟

هذا صديق يحدثني عن طفله الذي اعترض عند شراء والده لاحدى زجاجات المياه المعبأة محليا، بحجة انه لا يجوز شربها لانها من الشركات التي دخلت العراق مع الجيش الاميركي، وظهرت صور لذلك المنتج عبر وكالات الانباء. رأي الطفل كان بناء على تحذير تلقاه من معلمه!

اختلط الحابل بالنابل، كما يقال، في اعلامنا ومجالسنا ومستشفياتنا ومساجدنا ومدارسنا. فبات المواطن العربي يتعرض لكم هائل من الشحن المختلط بالصور والكذب، حتى يصاب المرء بالحيرة. فلا احترام لتخصص او مقام. فاذا ما كنت في إحدى العيادات الطبية يعتصرك الالم انتظارا لمقابلة طبيب تجد بالقرب منك كتاب بعنوان "اهوال يوم القيامة"!

حالة من الانفلات الفكري، خولت الطفل ان يحرم ويحلل. ومنحت من لم يقرأ صحيفة منذ شهر ان يحلل سياسة البيت الابيض، وشرعت لمن لا يعرف اين يقع مبنى الامم المتحدة الحديث عن القوانين والمواثيق الدولية! حالة من الضياع. فليسَ هناك جدية، الكل اصبح عالما، والنتيجة ترد على كافة الاصعدة!

[email protected]