لبنانيات... وخاطفات رجال!

TT

الأخلاق مهمة لكن الجمال أهم ...

هذا رأي بات يتفق عليه علماء النفس والاجتماع، الذين لا يساورهم شك بأن المستقبل للأجمل، والشفقة لمن لم يأخذ علماً بحقيقة باتت واضحة كالسيليكون في الشفاه. وقبل أن تعترض ككل المدافعين الأشاوس عن العقل وحسن الخلق، ومن ثم تفغر فاك مشدوهاً بأول حسناء تلوح أمام ناظريك، تذكّر بأن لقب «ملكة جمال» بات، بفضل ولعك بالحوريات، يؤهل صاحبته، من دون مؤهلات، لمهن الرقص والتمثيل والغناء وتقديم البرامج والتجارة، هذا عدا الزواج بشخصية بارزة لو أحبت، في ما تدق الجامعيات، ذوات الكفاءات، الأبواب الموصدة للعمل بعين اختصاصاتهن ولا جواب.

واللبنانيات متهمات دون غيرهن بالريادة في تأجيج مرض الأنوثة الفياضة، وهذا في جانب منه صحيح ولو دبجن المطولات في رد الشبهة ومحاولة التصحيح . ولم يخطئ من قال ان بلاد الأرز بوابة العالم العربي التي منها تتسرب الصيحات العالمية، ومن ثم تعرّب وتترجم وتوزّع بما يتناسب وذوق الأغلبية . وقيل طويلاً ان لبنان جسر بين الشرق والغرب، واجتهد الكثيرون، بعد ذلك، لإثبات ان زمن الجسور قد ولّى منذ وصلت الشبكة الالكترونية كل بيت وخلية، لكن فاتهم أن لبنان بقي البقعة المثالية المؤهلة لا للتلقف فقط إنما للتجريب الحماسي ايضا وبفضل مساحة من الحرية وتباين الأهواء الانتمائية تغيرت أحجبة النساء، مثلاً، على مدى الخمسين سنة الماضية، من «الحبرة» العثمانية إلى «التشادور» الإيراني أو العباءة الخليجية، دون أن تفوت المحجبات القبعة المصرية أو حتى الفرنسية، ولبس الرجال، بفعل الطفرة الإسلامية، الزي الأفغاني والثوب الخليجي الأبيض منه والداكن، وجربوا أغطية الرأس العربية وصولا إلى الاندونيسية بعد الإفرنجية، وإلى جانب المتدينين مال آخرون للشورت، والبنطلون الممزق والمرقع، والتيشورت بلا أكمام لتظهر سواعد ومفاتن النساء والرجال. مما يتيح للمتأمل متعة رؤية أقصر تنورة تتنزه بسلام إلى جانب أطول عباءة.

وإذا كانت التلفزيونات تتقصّد تصوير الملابس الأقصر فلأن لها عند العرب صدى أكبر، ولو كان الطلب على ذوات الحشمة لفضّل المعلنون ذلك وسعت المحطات من أجل ترويجهن. وأشد ما يثير الاستغراب هو أن يعيب العرب على اللبنانيات خلاعتهن، فيما هم يتلهفون سرا وجهرا (وجهلا) على تتبع اخبارهن ورصدهن بمرصاد الاشتهاء. ربما لا يعرف الكثيرون ان المحطات التلفزيونية اللبنانية الأرضية أكثر محافظة واتزاناً، في الأحيان، منها حين تكون فضائية. لا لأن اللبناني مترفع عن بهارج الغنج، بل لأنه يفضّل المشاهد بالنسخة الأصل على زور التصوير. وما يفوت المنتقدين للظواهر اللبنانية، من الستينات إلى اليوم، هو أنهم لا يصدقون بأنها ستصلهم غدا. فالمطربات الدلّوعات انطلقن من لبنان، لكنك لا تميز، راهناً، بين «فيديو كليب» المصرية أو السورية من زميلتهما اللبنانية، حين تشاهدهن يتمايلن مكتفيات بما خفّ لبسه وعظم تأثيره. وكان الأردني يتهم اللبناني، ذات يوم، بقلة النخوة وخوار الشهامة، لأنه يسمح لأخته بلقاء صديق لها في مقهى، فإذا به اليوم يفخر بالروح الانفتاحية التي يحياها، في بلاده، باسم الحرية. وما دام كل آت قريبا فلماذا لا يرى للظواهر اللبنانية على أنها بداية زحف جادٍ، في كل اتجاه عربي، بدل أن تحاسب على أنها وباء ذو خصوصية محض محلية.

وسوء فهم البحبوحة الاجتماعية في لبنان، وجمالية اختلاف الأمزجة المتلاحمة التعايش، هو الحاجز الذي يشكل هذه الصورة النمطية المقولبة والمغلوطة في آن. ويصعب على عربي ربما تصديق انه بقدر ما تزيد الشاشات من حسناواتها المغريات، يرتفع عدد المحجبات في الجامعات، وأن كليبات إليسا لا تشبه على الإطلاق غالبية نسائية ساحقة مشغولة بتأمين أقساط مدارس الأبناء من كدٍ في الليل والنهار. ورغم أن المناضلة سهى بشارة لبنانية أباً عن جد ومثلها الشهيدة الفدائية سناء محيدلي وعشرات الحزبيات المقاومات، إلا أن هذا النمط لم يرق للرجولة الباحثة عن فانتازيا أخيلتها الطالعة من حكايات ألف ليلة وليلة.

وقد تكون مصرياً أو كويتياً ولا تريد الاقتناع بأن العربيات بتن مشاريع، قيد الاختمار، للحاق بأخواتهن اللبنانيات، اللواتي ترى فيهن حفيدات الأبالسة في العلن، وتحلم بهن في سرّك كأنسام الملائكة، وتعتبرهن زوجتك خطّافات رجال . ولكن يكفيك أن تعرف بأن فتيات الفضائيات ومثيلاتهن على الأرض، قلّ عددهن أو كثر، هنّ في نهاية المطاف إفراز مجموعة من المتغيرات. فإضافة إلى الحرب التي سبت الفحول وهجّرت الطموحين، وأفقرت أغنياء زمان، وتركت متعلمي اليوم في مستنقع البطالة،هناك الأزمة الاقتصادية التي تحكم قبضتها على الجيوب والعقول، والعنوسة التي تضرب الإناث كما الذكور، ومجموع النساء اللواتي بتن مسؤولات عن عائلات بلا معيل، من الوفرة بحيث يستطعن قلب المقاييس رأساً على عقب . والبحث عن المهن التي تجلب مالاً وجاهاً ولمعاناً هو على أشده. ولّما حبا الله النساء بمواهب تشعل مخيلة الذكور، وجدن من الحنكة استعمالها لفك أزمات واقعة أو الاحتياط لأخرى محتملة. والشاطر بشطارته . انظر إلى الفورة العالمية التي تدفع بالمرأة، مرة أخرى، إلى أن تكون جسداً تثير حسدا، بعد أن جهدت طويلاً لتخلع عنها هذا الثوب الناعم الملمس، وفضلت بعض الخشونة مع الذكاء على فرط النعومة مع الغباء، ثم جاء عصر الجمال ليعيدها طائعة، طيّعة ومختارة إلى قفص مفتاحه في يد الذكر . ولو قست ظروف اللبنانيات على غيرهن من الشقيقات اللواتي يعانين مثلهن أو أكثر، بسبب رفعة مستوى السياسات العربية الاجتماعية والاقتصادية، لعلمت أن الحبل على الجرار . وقد تختلف الوسائل وتتعدد أساليب بنات حواء،بحسب البيئات، لكن عليك أن تعترف بأن العربيات هنّ في طريقهن إلى التمرس، عاجلاً أم آجلاً، في مهنة الغواية والخطف، سيما أن الرجال يبدون سعداء ومسترخين أيما استرخاء لدور المخطوفين... أوليس السؤال الحقيقي هو لماذا بات العربي يفضل أن يكون مخطوفاً على أن يكون خاطفا؟ وهل لهذا علاقة، يا ترى، بفقدان عربيّ هذا الزمان، روح المبادرة والمغامرة؟!