لماذا رفضنا شارون في شرم الشيخ؟

TT

لم تتح لنا في مؤتمر ايفيان لقمة الدول الصناعية مساحة للمتابعة، فقد كانت مسيجة ومطوقة، وككل القمم البعيدة بدت مجرد ألبوم من الصور للقادة، وإن كنا نعلم ان الكثير من القضايا بُحثت جماعيا او ثنائيا ولها تبعاتها. والحضور العربي في قمة الدول الكبرى كان يرمز الى الاهتمام لان قضايانا صارت جزءا من قضاياهم.

شرم الشيخ وصلنا اليها مبكرين، مدركين ان حظنا فيها افضل وكل موضوعاتها اكثر اهمية بالنسبة لعالمنا من قمة الدول السبع زائداً واحدة. كما نبهني الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عندما سألت مستنكرا: لماذا قسموا قمتهم مثل قمتنا الى قمتين في يومين; يوم في شرم الشيخ المصرية، ويوم في العقبة الأردنية؟ لماذا التقوا في بطرسبورغ الروسية ثم سافروا ليأتمروا بعد عشرين ساعة في ايفيان الفرنسية؟ قال تذكر انها ليست ثماني دول بل سبع زائداً واحدة، والواحدة هنا هي روسيا، ولا بد ان تعقد في اي من الدول السبع مثل فرنسا.

لكن لماذا صمموا قمتين في شرم الشيخ ثم العقبة، والرحلة جواً بين المدينتين لا تتجاوز العشرين دقيقة، مما سيضطر الرئيس الاميركي جورج بوش الى ان ينتقل في طائرته الرئاسية «ايرفورس وَن»، وسياراته المصفحة واثاثه الذي يلازمه، والمنقول في طائرات شحن خاصة مع جيش من رجال ونساء الأمن يلاحقونه مثل ظله؟

الخوف من إغضاب المشاركين العرب، هو كما قال لي احدهم. ان العرب اصروا على عدم الحضور الى قمة شرم الشيخ اذا كانت هناك نية لاستضافة رئيس وزراء اسرائيل فيها، حتى وإن سكن في فندق آخر، رغم انه لن يحضر قمتهم بل سيشارك في قمة ثلاثية مع ابومازن وبوش. لهذا اضطر الرئيس الاميركي الى ان يقبل السفر الى العقبة حتى لا يغضبنا. سألت الشخص نفسه ألا تعتقد انه شرط مرهق لرجل مثله، وهو المهددة حياته اكثر من أي زعيم آخر في العالم؟ ثم ألا ترى التناقض حيث ان العرب يرحلون كل عام ويسكنون في نيويورك، اي في نفس المدينة مع الوفد الاسرائيلي منذ خمسين عاما لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ بل يجلسون معهم في نفس القاعات منذ نصف قرن؟ قال مبتسماً الامم المتحدة شيء والقمم الاقليمية شيء آخر.

بصراحة الاسرائيليون هم الذين يكسبون دائما برفضنا وظهورنا امام العالم بمظهر غير الواثق، في حين ان المفاوضات دائما تتم بين الاعداء؟ لكن لأننا نسير في الميل الأخير من القضية الفلسطينية، وبعد ان قطعنا مليون ميل من الرفض والاقصاء والمحافظة على المظهر، لا بأس ان نكمل هذا الميل معزولين في فندق ومدينة، وشارون في فندق ومدينة أخرى. المهم ان نعطي فرصة لحل هذه القضية التي سمعتم شارون بلسانه يقول انه بات مقتنعا، او راضخا بعبارة اكثر دقة، لضرورات السلام، معترفا بانه لا يفيد اسرائيل ان تبقى دولة احتلال، والاحتلال يكلفها الكثير. الحقيقة، تمنيت ان شارون قالها في شرم الشيخ لا أمام اعضاء حكومته.

ادرك ان الاصرار على اللقاء مباشرة مع الاسرائيليين لن يزيد من فرص السلام، واللقاء عن بعد لن يمنعه ايضا. فإن كان الاسرائيليون يريدون سلاما فان هذا ممكن، وإن كانوا لا يريدونه فلن نفلح حتى ولو استحممنا معهم في مسابح شرم الشيخ. وظني انهم هذه المرة يريدون السلام بعد بحر الدم الذي لم يخدم احدا ولم يحقق لهم أمنا ولم يُعد لنا ارضاً.