قمة المصارحة والمصالحة العربية ـ الأمريكية

TT

نتمنى أن تكون زيارة الرئيس بوش للمنطقة اليوم وغداً فائقة الأهمية على حد وصفه وتصريحه بأنه سيكون بوسعه الضغط على شارون. قطعاً لا خلاف حول أهمية الزيارة، لكن الكثيرين يتشككون في صدق عزمه على ممارسة الضغط على شارون من خلال متابعتهم لما جرى على الأرض الفلسطينية منذ توليه سدة الرئاسة منذ عامين ونصف العام، حيث اجتاح شارون كل الأراضي التي كانت تحت إدارة السلطة ولم يستجب لتصريحات بوش التي طالبته بالكف عن الاجتياح ومن ثم بالانسحاب «الفوري والآن»، وكوفئ لاحقاً بأن اطلق عليه لقب «رجل السلام» ما يعني أن تلك المطالبات كانت ذراً للرماد في العيون. وكان العقاب من نصيب عرفات الذي رفض بوش ان يستقبله وتضامن مع شارون في رفض التعامل معه، وفرضت الإدارة الأمريكية استحداث منصب رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية لتهميش دوره وزعامته، ولم تعبأ لا بالفلسطينيين ولا كل العرب الآخرين!

وبالرغم من ذلك رحب الكثيرون بخطابات الرئيس بوش ورؤيته التي عبر فيها عن قيام دولة فلسطينية في عام 2005 وبخطة الطريق التي شاركت فيها أوروبا والأمم المتحدة وروسيا فضلا عن امريكا التي هي صاحبة الرؤية التي فصلت في هذه الخارطة، ولعل الرئيس بوش منح المرحبين بعض الأمل حين اشار الى تفهمه للشكوك التي تحيط بالموقف الأمريكي، معرباً عن إصراره على المضي قدماً نحو تحقيق الهدف، وهو بعد أن أطلق هذه التصريحات قبيل مغادرته واشنطون ما فتئ طوال المحطات التي توقف فيها وهو لم يصل المنطقة بعد يبشر بأكيد عزمه على تحقيق السلام في الشرق الأوسط ويدعو القادة العرب للتعاون معه في بلوغ هذا الهدف وفي مكافحة الإرهاب.

وفي آخر تصريح له في بولندا، قال مخاطباً القادة العرب وإسرائيل: «سأذكرهم بأن العمل الذي ينتظرنا يتطلب قرارات صعبة ولا يمكن أن يقبل أي قائد صاحب ضمير بأشهر وأعوام اضافية من الإهانة والقتل والحداد».. وإذا صح عزمه فإن القضية الفلسطينية لن تكون مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية بل ربما حلها هو الذي سيكون أحد أهم الأوراق الرابحة للسباق في الانتخابات المقرر لها العام القادم، وإلا ما كان له أن يقول إن الانتظار لأشهر غير مقبول، ما يعني انه يريد انجازات مقدرة خلال اسابيع وربما عبر مؤتمري شرم الشيخ والعقبة.

ولعل الرئيس بوش بتصريحه هذا كان يخاطب ايضا بصورة غير مباشرة مجموعة من مستشاريه الليكوديين الذين نصحوه بعدم الانزلاق في هذا المسلك الخطير والأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، وهم طبعاً بتلك النصيحة المغرضة يرغبون في الالتفاف على ما أعلن الالتزام به نحو قيام دولة فلسطينية ويرغبون في ترحيل القضية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية!

وإذا كان هذا الافتراض سليماً فيبدو أن هناك بشائر في أن بوش بدأ في تخفيف بعض الشكوك التي أضرت بمصداقيته وبمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي وأنه لم يعد يستمع لنصائح تلك المجموعة!

ولا شك أن مثل هذا الافتراض يعيد إلى الأذهان ما يقال عن أنه يؤمن بالعمل وفق رؤية استراتيجية لا تعتمد كثيراً على التكتيك، كما كان يفعل كلينتون في مباشرته للتعامل مع القضية الفلسطينية، ولهذا فإنه بدأ بالإعلان عن رغبته في رؤية دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة اسرائيل وهو ما اعتبر موقفاً استراتيجياً لم يسبقه اليه أي رئيس أمريكي. فتحديد الهدف في المبتدأ هو الاساس ومن ثم توضع الأطر والمراحل والآليات، وهكذا تبدو خريطة الطريق معنية بالأساس بتثبيت قيام الدولة الفلسطينية حسب رؤية بوش.

وعلى ذكر الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يستصحبها دائماً من تأجيل أي نقاش أو تقدم في المسألة الفلسطينية، فإن ذلك يقدم أكبر وأقوى إدانة للدولة الأمريكية العظمى بحسبانها راعية السلام لأن التأجيل دائماً سببه أن اللوبي اليهودي له الأثر الكبير في مسار الانتخابات وأن المرشحين لسدة الرئاسة أو للتجديد لن يكون بوسعهم التعبير عن أي مواقف تخالف انحياز هذا اللوبي لإسرائيل. ولعل الرئيس بوش يدخل التاريخ بتخطيه هذه الظاهرة ويعمل بكل ثقله لحل هذه القضية وفقاً لتصريحه المشار إليه ويجعل من حل هذه القضية التاريخية ورقة لكسب الانتخابات، وبذلك يسترد للولايات المتحدة ما يساعد على تعزيز مكانتها ليس في العالمين العربي والإسلامي وإنما في العالم كله، خاصة ان عدداً من الشخصيات اليهودية البارزة في أمريكا بعثت إليه برسالة تشجعه على المضي قدماً في الحل حسب خارطة الطريق والرؤية التي قدمها من قبل. ان هذه النظرة المتفائلة لا تبدو هي الراجحة في تقدير القطاع الأعظم سواء بالنسبة للرصيد المثقف أو غالبية الشعوب العربية والإسلامية، لكنها في كل الأحوال عرضة للتعزيز أو التلاشي خلال أيام معدودة بعد مؤتمري شرم الشيخ والعقبة، فإن كانت النتائج مبشرة ازداد التفاؤل،وإن كانت مخيبة اصطف الجميع وراء التشاؤم والسخط على الولايات المتحدة.

وفي اعتقادي ان القادة العرب الذين سيجتمعون مع الرئيس بوش لن يبرأوا من السخط وخيبة الأمل إذا لم يواجهوا الرئيس الأمريكي برؤية موحدة لما ينبغي أن يكون عليه الوضع وان يزيلوا الخلط الذي تمارسه الولايات المتحدة بين الإرهاب والمقاومة وأن يؤكدوا رفضهم الانسياق وراء هذه القوائم التي يصدرها صقور الولايات المتحدة ولا تفرق بين من هو مقاوم ومن هو إرهابي! ولا بد من عتاب صديق لصديق عن هذا التجاهل المزري الذي تمارسه امريكا لكل القيادات العربية في عدم اشراكها في كل ما يتعلق بمصير العراق، بذريعة ان معظمها كان معارضاً للحرب مع ان معارضتها للحرب تعطي أقوى الأسباب للتشاور معها حتى يتم تجفيف آثار تجاهل الولايات المتحدة لرغبتها ورؤيتها في كيفية معالجة الوضع! وها نحن نرى الإدارة الأمريكية تسعى هذه الأيام للملمة الشروخ التي اصابت علاقاتها مع عدد من الدول الأوروبية التي كانت هي الأخرى رافضة للحرب وعلى نحو أكثر وضوحاً ومقاومة لها من أية دولة عربية، ولعل الدول العربية وهي شقيقة لدولة العراق أولى بهذه العناية والمشاركة في لملمة أوضاع العراق!

ولا شك ان الرئيس بوش سيناقش موضوعات كثيرة منها موضوع الشراكة الأمريكية مع الدول الشرق أوسطية وموضوع الديمقراطية، وبالنسبة لموضوع الشراكة فهناك ما يستوجب الموازنة بينها وبين الشراكة الأوروبية، وعلى كل حال هناك عشر سنوات لبناء هذه الشراكة. أما مسألة الإصلاح الديمقراطي فهي ملحة وضرورية وما ينبغي للدول العربية ان تترك أمرها للوصاية الأمريكية، وإنما تشرع مجتمعة ومنفردة في هذا الإصلاح الذي أصبح يمثل بحق ضرورة قصوى في عالمنا العربي سواء بالنسبة للشعوب أو المؤسسات الجامعة للدول العربية أو بخلق مؤسسات جديدة.

لقد اطلق الرئيس بوش خلال الأيام الماضية الكثير من التصريحات التي تبدي اهتماماً متزايداً بالعالم العربي وبالقضية الفلسطينية على نحو لم يحدث مثله من قبل طوال فترة رئاسته، وأكثر من استعراض ما سيطلبه من القادة العرب عندما يلتقي بهم، وهذا أمر جيد ومطلوب مثل هذا الاهتمام. ولكننا بنفس القدر نطمح في أن يكون القادة العرب قد اعدوا له ايضا وبمنتهى الوضوح والصراحة القوائم التي تعبر عن كل ما هو مطلوب منه ومن إدارته ومن بلاده حتى تكون هذه اللقاءات فائقة الأهمية كما وصفها هو، وأن تكون هذه الأهمية شاملة ومثمرة للجميع.