نظرية حول كل شيء

TT

مع لقاء الرئيس بوش بعدد من زعماء العالم خلال نهاية الاسبوع، وسعيه لإصلاح الأحوال بين أميركا وبقية المعمورة، أجد نفسي أتأمل ما مضى وأسأل: ما هذا الذي يجري هنا؟ فبعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) تساءل الناس: "لماذا يكرهوننا؟" في اشارة الى العالم الاسلامي. لكن بعد الجدل الخاص بحرب العراق، تحول السؤال ليصبح: "لماذا يكرهنا الجميع؟".

أنا شخصيا وضعت خطوطا عريضة لإجابتي عن هذا السؤال، أطلق عليها بتواضع "نظرية مختصرة حول كل شيء". وأنا أعرضها الأن، بشكل أكثر ايجازا، على أمل أن يبعث إليّ القراء بتعليقاتهم أو باستهجانهم، لكي أتمكن من مواصلة تنقيحها، وتحويلها الى كتاب عاجل قد يمكنني الدخل الذي سأحصل عليه منه، من دفع الرسوم الدراسية لابنتي الطالبة في الكلية.

هذه هي النظرية:

خلال التسعينات، أصبحت اميركا وبشكل جلي الأكثر قوة ـ اقتصاديا وعسكريا وتقنيا ـ من أية دولة أخرى في العالم، اذا لم يكن في تاريخ البشرية. وقد حدث ذلك، الى حد كبير، بسبب انهيار الامبراطورية السوفياتية، وتحول العالم الى البديل الرأسمالي المتمثل في اقتصاد السوق الحر، وما صاحب ذلك من ثورة تقنية الانترنت في أميركا. كل ذلك أدى الى هيمنة شديدة لقوة الولايات المتحدة وأفكارها الثقافية والاقتصادية المتعلقة بكيفية تنظيم أمور المجتمع (هيمنة ظهرت بجلاء من خلال العولمة)، الى درجة ان أميركا بدأت بالتأثير على حياة البشر في أنحاء المعمورة "بطريقة فاقت حتى تأثير الحكومات على شعوبها"، كما قال لي دبلوماسي باكستاني ذات يوم.

أجل، لقد بدأنا بالتأثير على حياة الشعوب ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ وبدرجة تفوق تأثير حكومات تلك الشعوب.

ومع ادراك الناس لهذه الحقيقة، بدأوا في الاعداد للتصدي لها بأسلوب غير مكتمل للغاية. وظهرت أولى بوادر ذلك التصدي من خلال مظاهر الاحتجاج التي شهدتها مدينة سياتل في عام 1999، والتي أطلقت العنان لحركة عالمية.

لقد كان لمظاهرات سياتل جانبها الأحمق، لكن ما أراد المحتجون الجادون طرحه هناك كان: "يا أميركا، انك الآن تؤثرين على حياتي بشكل يفوق تأثير ما تفعله حكومتي. انك تؤثرين علي بنفس اسلوب تغلغل ثقافتك في ثقافتي، وبنفس أسلوب تسريع تقنياتك لتغيير جميع مناحي حياتي، وبنفس الاسلوب الذي "فرضته" اجراءاتك الاقتصادية علي. إنني أريد أن أدلي برأيي في كيفية فرضك لقوتك، لأنها الآن باتت قوة تشكل حياتي".

لماذا لم تتهيأ الأمم عسكريا ضد الولايات المتحدة؟

يجيب مايكل ماندلباوم، مؤلف كتاب "الأفكار التي غزت العالم" ـ باللغة الانجليزية ـ قائلا: "تطرح واحدة من أبرز مدارس العلاقات الدولية ـ مدرسة الواقعيين ـ انه متى ما برزت قوة مهيمنة، كأميركا، في النظام العالمي، فإن دولا أخرى ستحشد جهودها بشكل طبيعي ضد هذه القوة. لكن ولأن العالم يدرك بشكل أساسي ان هيمنة أميركا حميدة، فان عملية التصدي لها لا تتخذ شكل العمليات الحربية. وبدلا من ذلك، تصبح مسعى لكبح جماحها، باللجوء الى قواعد منظمة التجارة العالمية أو الأمم المتحدة ـ وبقيامها بذلك فانها تطالب باستخدام حق النقض (الفيتو) في ما يتعلق بكيفية تفعيل قوة أميركا".

وهناك أيضا سبب آخر لرد الفعل اللاعسكري هذا. فبروز أميركا كقوة مهولة حدث خلال عصر العولمة، حيث باتت الاقتصاديات متشابكة للغاية الى حد أن الصين وروسيا وفرنسا، أو أي تجمع منافس آخر لا يمكنه الحاق الأذى بالولايات المتحدة بدون اصابة اقتصادياته بضرر ما.

الناس الوحيدون الذي يلجأون للعنف هم أولئك المارقون أو الذين لا دولة لهم وليست لديهم أية مصالح مع النظام الدولي، كأسامة بن لادن.

فهذا الرجل، في الأساس يخوض حربا أهلية ضد العائلة السعودية الحاكمة. لكن، كما يخاطب نفسه، "لتدميرهم على المرء أن يضرب القوة المهيمنة التي توفر لهم الدعم ـ ألا وهي أميركا".

وهكذا وقع يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث اتخذت الحكاية طابعا مثيرا. لأنه وبشكل مفاجئ، تحول التنين الساحر ـ المتمثل في هيمنة الولايات المتحدة اللطيفة التي أثرت على حياة الجميع اقتصاديا وثقافيا ـ الى "غودزيلا"، الوحش الثائر، الجريح، الغاضب، الذي قرر التأثير على حياة الناس عسكريا.

والآن، بات الناس بالفعل يشعرون بالخوف منا، وهي حالة فرضتها أحادية فريق عمل بوش.

بضربة واحدة من كفنا الهائل أطحنا بطالبان. وفي ما بعد تحولنا الى العراق. حتى ان بقية العالم باتت تطرح: "تمهلي أيتها البقرة! الآن بالفعل نريد أن يكون لنا رأي في استخدامك للقوة".

تلك كانت خلفية مجمل الجدل الدائر بشأن العراق. فالناس استوعبوا ان حرب العراق كانت حربا اختيارية يمكن أن تؤثر عليهم، ولذلك أرادوا أن يكونوا طرفا في النقاش. لكننا قلنا لهم : نأسف لذلك، فاذا لم تدفعوا، لن تكونوا شركاء في اللعبة.

يتساءل نايان شاندا، مدير المطبوعات في مركز ييل لدراسة العولمة ( والذي يحتوي موقعه في شبكة الانترنت على معلومات قيمة): "اين أصبحنا الآن؟ انه ذلك الغضب الكئيب الذي يشعر به العالم تجاه أميركا. لأن الناس أدركوا انهم لن يتمكنوا من الادلاء برأيهم في ما يتعلق بقوة أميركا، ولن يتمكنوا من فعل شيء تجاه ذلك، رغم انهم سيتأثرون بها".

العثور على اسلوب مستقر لادارة هذه الحالة سيكون حيويا لادارة علاقات أميركا ببقية أنحاء المعمورة.

هل لديكم أفكار من هذا القبيل؟ دعوني استقبلها بواسطة بريدي الالكتروني:

[email protected]

* خدمة "نيويورك تايمز" ـ خاص بـ"الشرق الأوسط"