المواجهة العربية ـ العربية المقبلة

TT

لا أتصور ان تكون مواجهة التفاوض مع الاسرائيليين بنفس الحدة والدموية التي بلغتها في المراحل الماضية، منذ مفاوضات مدريد واوسلو والشروع في تطبيقها على الأرض، لكننا قطعا سنشهد انقساما وربما ستسيل دماء. فالمعارضة لا تزال حية لكل تفاوض مع اسرائيل. ورغم هذا كله علينا ان نتذكر ان قوى المعارضة تناقصت ونيرانها شحت واضواءها خفتت.

وبسبب قمة العقبة حيث يدشن الرئيس الاميركي مفاوضات خريطة الطريق بين ابو مازن وارييل شارون سنعود من جديد لمواجهة ذاتنا، أي ان يختلف العرب مع انفسهم.

معارضة القوى العربية متنوعة بين مشككة ورافضة جزئيا ورافضة تماما. هناك التي تؤمن ان الحل المقبل سراب وتبديد للوقت والقوى، وبعضها تبلغ في رفضها رفض اي حل، فهو بكامله اقل من ان يرضيها مساحة وسيادة وحقوقا. سنواجه قوى الأرض الأكثر اهمية وتحديدا تنظيمي حماس والجهاد اللذين يملكان نفوذا وشعبية وسلاحا لا يمكن انكارها. لهذا فان ابو مازن يقود اليوم عربته في طريق وعرة وخطرة وعلينا الا نستغرب ان تنحرف البنادق فتصوب نحو صدور الاهل والأقارب.

مع هذا كله أبو مازن هو رمز الحل ومهمته استعادة الارض وانهاء الحرب وختام آلام الخمسين عاما. وانا لا اعتقد ان الفلسطينيين والعرب معهم، يمكن ان يبدأوا هذه الجولة بدون شيء من التفاؤل والتقاط الاشارات الايجابية واعتقد ان هناك الكثير منها. والتفاؤل ليس لأن اسرائيل شارون خير من اسرائيل شامير او غولدا مائير لكن لأن الوضع العام في المنطقة والعالم كله سيقود الى حل كما قاد الى الحل المصري في كامب ديفيد الذي انتهى بأكثر مما انتظره كثيرون.

ابو مازن رجل لا خلاف حوله، في وطنيته وصدقه وتاريخه النضالي وتبعيته لمنظمته والسلطة الفلسطينية، وهذا الاتفاق حول شخصيته في حد ذاته كاف لمبايعته مفاوضا بما تعنيه الثقة التامة من تخويل اعمى، ويستحق من مواطنيه ومن العرب الآخرين ان يعطوه الفرصة، ومن بينهم زعماء الرفض في "حماس" و"الجهاد".

انهم جميعا لن يعدموا الوقت والمناسبة لاحقا لأن يرفضوا الاتفاق عند نهايته انما تحطيم التفاوض في بداياته فيه انتقاص من مصداقية التنظيمين اللذين يتهمان مرة بأنهما طوابير خارجية ومرة ان لهما حسابات زعامة تنافسية. لكن للوطنية ان تفرض نفسها ومنح رئيس الوزراء الجديد الفرصة ان يثبت نفسه، وهي الفرصة للتنظيمين ان يثبتا أن ما يثار حولهما ليس سوى طعن غادر.

ان بامكان من شاء معارضة المفاوضات المقبلة ان يعارض لكن سلما، وله ان يتربص لا ان ينقض عليها الآن تاركا الفرصة لاثبات صدق ظنونه او صحة وعود الطرف الآخر. وفي تصوري ان الاسرائيليين يراهنون كثيرا على ان المنظمات الفلسطينية الرافضة ستقوم بدور التخريب، مما يعفيها من اشكالات قول لا، ومن اشكالات المواجهة مع دول العالم.