موعد آخر مع فريدة

TT

ظهور السيدة فريدة، نجمة المقام العراقي على مسارح لندن من الاحداث التي تهتز لها الجالية العراقية الكبيرة في هذا البلد. ولكن ظهورها هذه المرة في قاعة اليونتي جابل بلندن بعد اشتراكها وفرقتها الموسيقية بمهرجان الموسيقى العالمي في باث، كان له وقع خاص بعد هذه الاحداث الدرامائية التي اجتاحت العراق. وهي تلك الفنانة اللاعبة اللعوب بقلوب الناس ادركت ما انشحنت به هذه القلوب العراقية التي خفت لسماعها، فزادتها اتقادا وانفعالا باشاراتها لبغداد والعراق. قصيدة «اي شيء في العيد اهدي اليك، يا ملاكي وكل شيء لديك» اصبحت على لسانها:

(اي شيء في العيد اهدي اليك

بغداد، وكل شيء لديك؟

اسوارا، أم دملجا من نضار؟

وما أن اكملت الشطر الرابع بقولها:

«لا احب القيود في معصميك»

حتى أمسكت بكرسي مخافة ان اسقط على الارض وقد تزلزلت بهتاف وضجيج المستمعين. كان عيدا واحتفالا بعيد. عيد الخلاص من ذلك النظام البغيض الذي شرد فريدة وكل هؤلاء الفنانين من ديارهم. واستجابت هذه الفنانة البارعة لملامسات المناسبة. كانت متعة حقيقية نادرة ان اسمعها تغني بهذا الانشراح، والاستمتاع بما كانت تغني به. وما من شيء يجلو الفن كما يجلوه استمتاع الفنان بفنه.

لقد سمعت فريدة على مدى السنوات الاخيرة، وفي كل مرة وجدتها تبز فريدة الامس وهي تتقدم وتتطور في مشوارها الفني. في حفلة السبت الماضي اتحفتنا بباقة مشكورة من النوطات الواطئة من القرار في هذه المسيرة نحو النضوج والكمال. لم تكن مجرد حفلة بل احتفالا بالتحرر، لقاء عراقيا للقلوب العراقية، عربية كردية وفويلية وتركمانية. وفي هذا الاحتفال انطلقت فريدة تشارك الحاضرين بهجتهم بمجموعة لذيذة من الاغاني الشعبية، صلوات، طالعة من بيت ابوها، وايضا بمنتخبات من اغاني سليمة مراد، الكلاسيكية.

«هذا مو انصاف منك ـ غيبتك عني تطول

«الناس لو سألوني عنك ـ شأرد اجاوبهم؟ شأقول؟».

كان من الاحسان ان يحسن علينا احسان الامام باطلالة يسد بها غياب عواد الفرقة. وهي منحة اضافية من هذا الفنان القدير الذي يبخل علينا باطلالاته، او ربما يبخل الجمهور عليه بما يستحقه من جزيل التقدير.

فيما كانت فريدة تتلألأ في هذه الامسية الصيفية الحارة رأيت طفلة صغيرة تتدافع بين الجالسين تشق طريقها نحو المسرح، والآخرون يمسكون بها. حتى وصلت خشبة المسرح واخرجت منديلا صغيرا اعطته لفريدة. اخذته شاكرة لتمسح به العرق المتصبب من وجهها. عادت الطفلة تركض الى مقعدها. همس بأذني زميلي معد فياض، «انها ابنتها».

يا سلام، انتقلت من فريدة الى موريس شفاليه في اغنيته الخالدة:

Thank heaven for Little Girl طوبى لمن رزقه الله بحنان طفلة.