قمة العقبة بدون خريطة الطريق

TT

يستضيف الأردن اليوم الأربعاء 4 يونيه عام 2003، القمة الثلاثية «الأمريكية ـ الفلسطينية ـ الإسرائيلية» في مدينة العقبة، ويذهب المتفائلون إلى زيادة احتمالات نجاح القمة استناداً إلى موقف الرئيس جورج بوش الذي عقد العزم على تنفيذ خريطة الطريق، ويقابل ذلك موقف المتشائمين المرتكز على موقف رئيس الوزارة اريل شارون الذي يصر على التفاوض حول المبادئ السلمية التي جاءت في خريطة الطريق.

تدل التحركات السياسية في واشنطون وتل ابيب، التي سبقت انعقاد قمة العقبة اليوم، على ترجيح التوجه المتشائم على التفكير المتفائل، بدليل أن المسلك الأمريكي يتعاطف مع الرؤى الإسرائيلية لخريطة الطريق، ونتج عن هذا التعاطف موافقة واشنطون على 12 شرطاً من أصل 15 شرطاً تقدمت بها تل ابيب مقابل موافقتها على خريطة الطريق، وإذا عرفنا ان كل شرط من هذه الشروط الخمسة عشر يهدم التوجه السلمي الذي جاء في خريطة الطريق، لأدركنا أن أمريكا تتخلى عن مسؤولياتها في تنفيذ هذه الخطة السلمية التي شاركت في وضعها من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية، ولذلك عملت على ابعاد بقية اعضائها الثلاثة الآخرين: الوحدة الأوروبية، واتحاد روسيا، والأمم المتحدة، حتى تستطيع دعم التسوية السلمية وفقا للتوجه الصهيوني في داخل إسرائيل وخارجها، مما يجعل من الضغط الأمريكي على اسرائيل للقبول بخريطة الطريق، يمثل مساومة معها تحصل في مقابله على موافقة أمريكا على الشروط التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية على خريطة الطريق.

يؤكد هذا التلاعب الأمريكي بخريطة الطريق لتلتقي مع الرغبات الإسرائيلية البيان المشترك الذي صدر عن واشنطون على لسان وزير الخارجية كولن باول ورئيسة مجلس الأمن القومي كونداليزا رايس، وينص بالحرف «ان بلادهما لن تدخل تعديلات على خريطة الطريق ولكنها ستنظر بعين العطف إلى ملاحظات اسرائيل عليها..» ولا يغيب عنا ان هذا البيان الأمريكي المشترك جاء لتطمين اسرائيل الذي طلبت به على لسان الناطق الرسمي باسم رئيس الوزارة اريل شارون، بعد ان جعلت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها يوم الاحد 24 مايو عام 2003، القبول بشروطها وتطمينها بأن واشنطون ستلتزم بها، شرطاً لا رجعة فيه على حضور رئيس الوزارة اريل شارون إلى قمة العقبة.

معرفة الشروط الإسرائيلية على خريطة الطريق التي وافقت عليها أمريكا، تفرض العودة إلى الوثيقة الدولية الصادرة عن اللجنة الرباعية باسم خريطة الطريق التي ينص في متنها، على تجميد الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ووقف الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، ومنع العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد الشعب والارض الفلسطينية، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين، والأخذ بمبدأ الأرض في مقابل السلام التي أكدتها المبادرة السعودية التي تحولت إلى مبادرة عربية في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت مارس عام 2002، والعمل على قيام الدولة الفلسطينية عبر مراحل زمنية تبدأ من الآن وتستمر حتى يتكامل بناء هذه الدولة في عام 2005.

رفضت إسرائيل كل ما جاء في هذه الوثيقة (خريطة الطريق) جملة وتفصيلا في أول اجتماع بين اريل شارون وبين محمود عباس «أبو مازن»، ثم عادت تحت الضغط الأمريكي إلى القبول المشروط بها، وعلق على ذلك شيمون بيريز من موقعه في المعارضة بأن اسرائيل تخضع للدهلزة الأمريكية في اتخاذ قراراتها السياسية. لا يمثل هذا الموقف من المعارضة انتقاداً للحكومة كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما دوراً مدروساً في ظل الأدوار المتعارضة والمتبادلة في اللعبة السياسية التي يتقنها قادة إسرائيل ويعملون بها في سبيل الوصول إلى أهدافهم، وتحقق لهم ما يريدون قبل انعقاد قمة العقبة، لأن شروطها ترفض تجميد الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحجة أنها اراض محررة من الأغيار، ولا تثق بوقف الانتفاضة الفلسطينية باعتبارها عملاً إرهابياً لا يخضع لأحكام القانون، ولا تقبل بمنع عملياتها العسكرية باعتبارها دفاعاً عن النفس، ولا تعترف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين لما يسببه ذلك من خلل في التركيب السكاني الإسرائيلي، ولا تقبل بمبدأ الارض في مقابل السلام لتعارض ذلك مع طموحاتها في قيام إسرائيل الكبرى، وتعارض قيام الدولة الفلسطينية لأن قيامها على الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تسميها المحررة، يلغي آمالها العظيمة في قيام اسرائيل الكبرى.

موافقة واشنطون على كل الشروط الإسرائيلية على خريطة الطريق، باستثناء ثلاثة منها، تتعلق بالضمانات الأمنية، لأن واشنطون تعهدت لتل ابيب بمسؤوليتها الكاملة عن الأمن الإسرائيلي، وبادرت بإرسال فريق أمريكي متخصص في شؤون الأمن ليحقق المظلة الأمنية لإسرائيل، وبالتالي يقنع رئيس الوزراء اريل شارون بأن واشنطون جادة في حفظ الأمن الإسرائيلي، وكل هذا الانحياز الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، مسخ خريطة الطريق وفرغها من محتواها، فتحولت من خطة سلمية دولية إلى مشروع سلمي اسرائيلي يأخذ ولا يعطي، يدفع بالقمة الثلاثية المنعقدة اليوم في العقبة إلى طريق الفشل لتضاف إلى كل المحاولات السلمية السابقة الفاشلة بسبب الأدوار الإسرائيلية التي تتحرك ضد السلام، والمؤيدة بالدعم الأمريكي بدون حدود.

ان الفشل المتوقع للقمة الثلاثية في العقبة يدخل القضية الفلسطينية في منعطف سياسي خطير للغاية يؤثر لسنوات طويلة قادمة على مستقبل إقليم الشرق الأوسط على المستويين الإقليمي والدولي، وهذه الكارثة السلمية في فلسطين بفشل قمة العقبة مضافة إلى الكارثة الحربية في العراق التي نتج عنها استبدال الحكم الجائر في بغداد بالاحتلال الأمريكي للعراق، يزيد من تيارات الزوابع السياسية في البلدين بكل نتائجها على الأمن الإقليمي والسلام العالمي. ولا شك عندنا بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش يضحي بالأمن الإقليمي والسلام العالمي ليحصل على رضا اسرائيل، حتى ترضى عنه الدهلزة الصهيونية في بلاده حفاظاً على مستقبله السياسي من خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، التي أخذت تدق الأبواب في واشنطون التي تدفعه إلى محاولة إجبار الفلسطينيين والعرب على القبول بالسلام بالرؤية الصهيونية، ليستفيد من دهلزتها في الانتخابات الأمريكية الرئاسية التي سيبدأ مسارها مع مطلع العام القادم 2004.

يتردد في الأوساط العربية الرسمية والشعبية ان لقاء القمة في شرم الشيخ بمصر بين العرب وامريكا في أعقاب قمة العقبة مباشرة، تستهدف منه واشنطون إقناعهم بالسلام الذي تم الاتفاق عليه في العقبة، وتشهدهم على الفلسطينيين حتى يلتزموا بما اتفقوا عليه مع اسرائيل، غير أن وزير الخارجية الأردني مروان المعشر، أعلن أن قمة شرم الشيخ لا علاقة لها بقمة العقبة، ولن تبحث من قريب أو بعيد خريطة الطريق، وما ترتب عليها من نجاح أو فشل، لأن الرئيس الأمريكي جورج بوش سيبحث مع العرب في قمة شرم الشيخ بمصر قضية إقامة السوق الحرة العربية التي طالب بها وحدد لقيامها العشر سنوات القادمة.