دبي نموذجا

TT

ينوي الرئيس رفيق الحريري العائد الى الحكم بعد عامين من الغياب اتخاذ اجراءات اقتصادية «تحول لبنان الى دبي ثانية»، كما يقول الاقتصاديون الذين اجتمعوا اليه. ويقضي مشروعه الجديد بـ«فتح الاجواء» امام الطائرات وخفض التعرفة الجمركية بنسب مرتفعة والسماح لغير اللبنانيين بالتملك العقاري وما الى ذلك. وقد مرَّ في مطار دبي العام الماضي نحو 10 ملايين شخص، فيما شهد مطار بيروت نحو مليون، معظمهم من اللبنانيين.

ويبدو ان الرئيس الحريري الذي امضى الاشهر الماضية في الدراسة والتأمل استعداداً للعودة، يريد الاخذ بمجموعة من الدول الناجحة مثل سنغافورة وماليزيا ودبي. لكن المقربين منه يقولون ان كل ما في الامر هو العودة الى لبنان ما قبل الحرب، حين كانت بيروت سوق الاناقة العربية والمطعم العربي المفضل و«الكورنيش» الجميل، وايضاً المستشفى والجامعة والمدرسة.

ويرى الرئيس الحريري، حسب معاونيه ومصادره، ان خلف لبنان قرنين من العلم والثقافة والتبادل والهجرات، التي يجب ان تتوظف في اعادة البناء والهيكلة. وانه ـ لبنان ـ يتميز، اضافة الى طاقات اللبنانيين، بموقع وسطي فريد، خلافاً لسنغافورة او ماليزيا. فهو منتصف الطريق بين الشرق والغرب وهو في قلب حوض المتوسط وهو ـ على صغره ـ ملتقى الحضارات عبر التاريخ، يجتذب العربي والصيني والفرنسي والتركي، علاوة على انه يتمتع بمناخ جميل، يتقاسمه الدفء والاعتدال على مرَّ العام والاعوام.

يريد الرئيس الحريري احياء كل هذه الميزات في ذاكرة العرب وفي ثقافة اللبنانيين انفسهم، من اجل التعويض عن سنوات الحرب والضياع. ويرى ان اطلاق الحرية الاقتصادية وحده يمكن ان يضبط حركة السوق وعدم الجنوح الى الغلاء وابقاء اسعار الصناعة السياحية في دائرة التنافس، من غرفة الفندق الى كلفة الهاتف الى اثمان التبضع. ويرى معاونوه ان اللبنانيين ساهموا في انشاء النهضة السياحية في كل مكان والآن حان دور بلدهم. وسوف تؤدي حرية التملك الى اقبال العرب على العودة كما فعلوا قبل الحرب. فقد كان للسعوديين والكويتيين والقطريين منزل ثاني في بيروت او في المصايف. وكان بعض حكام الخليج انفسهم يمضون اجازاتهم في لبنان قبل ان تحول الحرب الطريق الى اوروبا ومصايفها. وقد كانت تلك «التحويلة» احد اهدافها الاساسية، بحيث لا تعود بيروت هي مصرف العرب ولا مكان استثمارهم ولا محطهم في الرحال والترحال.

يأمل اللبنانيون ان تؤدي السياسة الاقتصادية الجديدة الى استعادة الدور واعادة الازدهار. ويوم كان لبنان «سويسرا الشرق» كانت دبي امارة منسية على الميناء، لا فنادق فيها ولا طرقات. وها هي اليوم «نموذجاً» مطلوباً، ليس فقط في لبنان، بل ايضاً في بعض دول الخليج حيث يخيم الركود على الحركة الاقتصادية. وعندما اسافر من مطار بيروت الى مطار دبي اتذكر يوم كنت اسافر من مطار دبي الى مطار بيروت، غير انه لا بدَّ من العودة الى يوم كان لبنان هو النموذج الثقافي المحتذى. ولا يكون ذلك فقط باحتذاء دبي بل ايضاً سنغافورة وصناعاتها ونظامها في العدالة الاجتماعية وصرامتها في احترام وتطبيق القانون. وايضاً في اخذ شيء من ماليزيا. ولكن دائماً في اخذ شيء من لبنان ما قبل الحرب. ومن لبنانيي ما قبل التقاتل.