انفجار في سوق النفط

TT

تتسم السوق البترولية الدولية بالحساسية المفرطة، لذلك فإن المعلومة مهما كانت صغيرة تترك آثارا عميقة داخل السوق. ورغم الجهود السخية التي تبذلها الهيئات المتخصصة لتقديم أدق المعلومات، وأولا بأول، فإنها ما زالت دون مستوى الحد من تأثير المضاربات على هذه السلعة الحيوية. إذ أن المضاربات تعتمد على توقعات المضاربين، وتقييمهم للمعلومات الأساسية التي بين أيديهم، وتبرز الوكالة الدولية للطاقة، ومعهد البترول الأمريكي كمصدر أساسي للمعلومات في ما يتعلق بالمخزونات، وتوقعات حجم الطلب، لكن المصادر الأخرى الأساسية التي تسجل بالتحديد حجم الإنتاج الفعلي، والطاقة الإنتاجية المتوفرة، والاحتياطيات العالمية تمثل مصدر قلق دائم، وعنصرا فعالا في بناء الشائعات، والمضاربة عليها.

وتحرص الدول المنتجة الكبرى على طمأنة الأسواق الدولية عند كل طارئ من شأنه أن يثير قلق المستوردين، وخوفهم من حدوث نقص في الإمدادات يؤثر على حجم المعروض في السوق، وكثيرا ما تستجيب الأسواق لتصريحات صادرة عن هذا الطرف أو ذاك، بالانخفاض، أو الارتفاع، عشرات المرات في اليوم الواحد.

ومثلما يتقصى المستهلكون أنباء تحركات خزانات النفط العائمة، ويتابعون حركة تحميل وتفريغ السفن حول العالم للتأكد من استمرار تدفق ملايين البراميل المنتجة يوميا عبر شبكة عريضة من المصادر، فإن تعطل وصول سفينة واحدة يمكن أن يعرض السوق العالمية لهزة قوية، ذلك أن وسائل نقل النفط تعاني في الوقت الراهن شحا في نوعية السفن المؤهلة لتموين السوق العالمية بحاجتها اليومية الثابتة من الطلب المؤكد وصوله في الموعد المحدد، ومن هنا فإن تأخر سفينة عن الإبحار من ميناء مدينة ينبع الصناعية على ساحل البحر الأحمر، سرعان ما يتحول من مجرد اعتقاد بوجود خلل ما.. إلى شائعة كبيرة تمتد آثارها من أقصى العالم إلى أدناه، وكذلك الحال لو أن مصفاة ينبع التي تملكها شركة آرامكو السعودية بالمشاركة مع شركة موبيل الأمريكية أوصت على قطع غيار من نوع معين، فإن ذلك سرعان ما يتحول من مجرد طلبية عادية إلى نبأ عن وجود نقص في الإمدادات، وهو نبأ له حساسية تزيد عن نظيرتها تجاه النقص في النفط الخام، إذ أن الأزمة الحادة التي سادت سوق البترول العالمية هذا العام تعود في جزء كبير منها إلى وجود خلل كبير في سوق التكرير، وليس في إنتاج النفط الخام، أو المخزون.

وقياسا إلى ما سلف، فإن تداول السوق العالمية لنبأ حدوث انفجار في إحدى وحدات الإنتاج في ينبع يتجاوز مستوى حادث عادي يمكن أن يحدث في أية مصفاة من هذا الحجم، والتكتم عليه قدر ما يبدو أمرا صعبا في ظل متابعة دقيقة، ولحظة بلحظة لما يحدث في السوق العالمية، لا يتفق مع المنطق الحكيم الذي انتهجته السعودية في التعامل مع الأزمة التي عصفت بالسوق خلال الأشهر الستة الماضية. حيث كانت كلمة الرياض دائما العنصر المحرك لطمأنينة السوق، واستقرارها، والمحافظة على هدوئها، ومثلما أثمرت تلك السياسة عن منح أوبك مصداقية الالتزام بسوق متوازنة، تتوافق قراراتها مع مصلحة المنتجين، والمستهلكين على السواء. ومن هنا فإن التزام الصمت حيال نبأ حدوث الانفجار، أتاح للمضاربين افتعال قضية في السوق، كان يمكن إنهاؤها بمجرد توضيح من شركة آرامكو عن طبيعة ما حدث بالفعل، وإذا كان الدافع وراء الامتناع عن التوضيح هو أن النبأ غير صحيح، فإن من الأولى أن يأتي ذلك من الطرف المعني مباشرة بدل الاعتماد على تأكيدات الزبائن الرئيسيين للمصفاة. يقول الأمير نايف بن عبد العزير وزير الداخلية السعودي في معرض تعليقه على بيانات الوزارة، وتصريحاته عن حوادث وقعت مؤخرا في المملكة «إن إعلان الحقائق خير وسيلة لطمأنة المواطنين على أمنهم». وهذا ما يبرر قلق السوق من مجرد شائعة، أو اعتقاد بوقوع انفجار في المصفاة.

محمد العوام