بوتين في كوبا

TT

الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى كوبا تحمل ابعادا كثيرة ابرزها ان شهر العسل بين الكرملين وواشنطن وصل الى نهايته، وهذا جزء من السياسة الجديدة التي بدأتها موسكو وتهدف الى الغاء اي اثر لعهد بوريس يلتسين داخل روسيا وفي العالم.

بالنسبة الى كوبا، هناك اسباب سياسية تدفع بوتين للذهاب اليها، انما الاسباب الاقتصادية فهي اكثر، وعلى هذا الاساس فان نهاية السياسة الروسية الموالية لاميركا، تتبعها سياسة اقتصادية دولية جديدة.

صحيح، ان لا شيء يحدث في كوبا لا تتابعه الولايات المتحدة باهتمام، لكن توقيت الزيارة في الوقت الذي تعيش فيه واشنطن ازمة رئاسية بالكاد وصلت الى خاتمتها، جعل زيارة بوتين هذه بعيدة عن الصفحات الاولى للصحف الاميركية وبالكاد تُذكر ضمن الاخبار الرئيسية. لذلك، اذا كان هدف بوتين توجيه رسالة ذات مغزى الى الطبقة السياسية الاميركية فان الرسالة تصل، لكن لن تثير في هذه الفترة بالذات اي رد فعل، رغم انها تشير الى ان روسيا عادت من جديد لاعبا مستقلا في الشؤون العالمية.

قد لا يقلق المسؤولون الاميركيون كثيرا من هذه الزيارة، لان بوتين لا يمكنه ان يتنازل عن ديون كوبا لروسيا البالغة عشرين مليار دولار، فالوضع الاقتصادي المتأزم في روسيا يمنع بوتين من تجاهل هذا المبلغ، ثم اذا نظرنا الى الوفد الضخم المرافق له في زيارته نراه يضم عددا من رجال الاعمال والتجار والخبراء من المهتمين باعادة بناء مفاعلات الطاقة الى المسؤولين عن تسويق الاسلحة في وزارة الدفاع الى ممثلين عن وزارات التجارة والصناعة الخ، اضافة الى رجال الاعمال، ثم ان بوتين منذ وصوله الى السلطة، يرغب في اعادة العلاقات الاقتصادية مع كوبا، وعندما كرر ذلك في مقابلة للتلفزيون الكوبي قبل وصوله، انتقد بشكل مباشر الرئيس السابق بوريس يلتسين لانه سمح للعلاقات الاقتصادية بالانهيار. من هنا معنى رغبة بوتين في الغاء اي اثر لسياسة يلتسين الخارجية.

ويحمل الوفد المرافق لبوتين خططا ايضا لاعادة تشغيل محطة التنصت، وللمشاركة في الاستثمار السياحي في كوبا، اضافة الى تصدير المنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية، ولا تقلق موسكو، من مرحلة ما بعد الرئيس فيدل كاسترو وكيف ان الجزيرة ستتعرض من جديد لـ«غزو» اميركي من قبل رجال الاعمال والمال والتسلية، فهي ترغب في تثبيت وجودها في الجزيرة على كل الاصعدة الاقتصادية، بعد ان شعرت ان الدول الاوروبية وكندا استحوذت على حيز من الاستثمارات الكوبية تعتبرها موسكو انها من حقها، لذلك، لن تعاني من مشكلة، اذا ما جاء الغزو الاميركي، في ما بعد، ليحصل على حصته، اذا ظلت هناك حصص. على كل، زيارة بوتين الى كوبا تدخل ايضا في صلب السياسة الروسية الجديدة التي تهدف الى كسب كل الدول التي تنظر اليها واشنطن على انها دول منبوذة تجب معاقبتها، كالعراق وليبيا وايران وكوريا الشمالية، وهذا يؤكد من جديد ان العولمة هي انتقال من الحرب الباردة المحصورة الى الحرب الاقتصادية المفتوحة على كل الاحتمالات.