شيء من السياسة

TT

كنت في رحلة أوروبية قصيرة.. ورأيت عن قرب العطب الذي أصاب قاطرة الاتحاد الأوروبي.

والمعروف أنه ابان الغزو الأمريكي للعراق اتضح التقارب الفرنسي ـ الألماني وتجلى ذلك التقارب في اتفاقهما المبدئي على رفض الحرب الأمريكية ضد العراق، غير أن هذا الاتفاق الفرنسي ـ الألماني لم يصادف موافقة لدى بعض الدول في الاتحاد الأوروبي بسبب الضغوط الأمريكية على هذه الدول، إما برشوتها بالمال والمعونات والقروض أو بتهديدها بتوقيع عقاب اقتصادي عليها.

السؤال الذي يطرح نفسه مؤخراً على المحللين السياسيين في أوروبا هو: ماذا حل بالمحور الفرنسي ـ الألماني الذي عرف بأنه القاطرة التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى الأمام لتحقيق الاندماج الأوروبي منذ إعلان معاهدة «ماستريخت» عام 1993 التي اعتبرت ميلاداً لفكرة الاتحاد الأوروبي؟ وما طبيعة العطب الذي حل بهذه القاطرة الفرنسية ـ الألمانية حتى أصبحت عاجزة عن السير بقطار الدول الأوروبية إلى الأمام لتحقيق الاندماج؟

هل يرجع سبب العطب الذي حل بالقاطرة الفرنسية ـ الألمانية إلى ظهور التباين الواضح بين فرنسا والمانيا في سياسات محددة لكل من البلدين في إطار الاتحاد الأوروبي مما يثير الخلافات بينهما؟.. أم أن السبب في هذا العطب يرجع إلى ألمانيا التي تدفع في اتجاه مزيد من الاندماج الأوروبي وتطمح للوصول إلى شكل من أشكال الفيدرالية الأوروبية أو على الأقل المعاهدة الدستورية الأوروبية في عام 2004، في حين أن فرنسا تتشبث بأن يظل الاتحاد الأوروبي تعاوناً بين دول قومية ذات سيادة وتتمسك بأن تكون الوحدة الأوروبية في حدود التعاون الوثيق بين حكومات وليس اندماجاً دستورياً بين الدول؟

ترى ألمانيا أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يضم عشرين أو ثلاثين دولة في ظل الاتحاد بعد التوسع نحو الشرق بما يحقق التفوق الألماني نتيجة علاقاتها الوحيدة مع هذه الدول، بينما تعارض فرنسا التوسع قبل مرحلة تعميق وإصلاح المؤسسات حيث أنها ترى في هذا التوسع إبرازاً للدور الألماني وفقدانها للدور القيادي للقارة الأوروبية.

يبدو أن فرنسا أصيبت بالهلع نتيجة طلب ألمانيا زيادة القوة التصويتية لها في اللجنة البرلمانية وفي المجلس الوزاري الأوروبي باعتبارها أكبر دولة أوروبية من حيث التعداد بعد إعادة توحيدها.. ويعود هذا القلق الفرنسي إلى ازدياد القوة التصويتية لألمانيا في ظل نفوذها في شرق ووسط أوروبا عند التوسع إضافة الى أن نفوذها الاقتصادي يمكن أن يجعل تكتلات الدول الصغيرة في شرق ووسط أوروبا لصالح ألمانيا مما يهمش من الدور الفرنسي داخل الاتحاد.

وبالرغم من اتفاق فرنسا وألمانيا على مبدأ تشكيل قوة أوروبية للتدخل السريع إلا أن الخلافات بينهما تدور حول الارتباط بحلف الأطلنطي أو الاستقلال عنه، فبينما تطالب فرنسا بالمزيد من الاستقلال عن أمريكا تتأرجح ألمانيا بين الفكرة الفرنسية بالاستقلال عن أمريكا والرغبة الأمريكية في الإبقاء على علاقة وثيقة ما بين واشنطن وأوروبا عبر حلف الأطلنطي.. فأي التيارين سينتصر؟