أغلبية ساحقة.. ومغيّبة!

TT

الفلسطينيون في حاجة الى انتخابات عاجلة. ليتها تتم خلال اسبوع. لكن هذا مستحيل. ولماذا الاستعجال؟ لأكثر من سبب، أهمها الحيلولة دون انفجار حرب أهلية. حقا، ان انتخابات حرة هي الوسيلة الوحيدة الآن لتحديد ما يريده الفلسطينيون. ولا نتحدث هنا عما يريده الفلسطينيون المسحوقون في بؤس مخيمات الشتات في العالم العربي، ولا الفلسطينيون المتنعمون جدا، او المتنعمون ضمن الحد المعقول، او الذين يعانون لكنهم على الأقل آمنون مطمئنون في ربوع الاغتراب الاميركي، الاوروبي، الاسترالي، الكندي.. الخ، كلا إنما الحديث تحديدا عما يريده فلسطينيو الضفة والقطاع، وهم اكثر من مليونين، وما أكثر الذين تنطعوا للحديث نيابة عنهم منذ انفضت قمة العقبة!

حصل هذا من قبل، وها هو يتكرر الآن. لم يكن جف حبر التوقيع على اتفاق اوسلو في البيت الأبيض قبل عشر سنوات حتى انهالت قذائف فلسطينية تقصف فلسطينيين. قذائف اتهامات من العيار الثقيل. قذائف تقول انها تتحدث بلسان «الأغلبية الساحقة» من الفلسطينيين. وتكرر الشيء نفسه بعد كل اتفاق من توابع الاتفاقات التي اعقبت اوسلو. ولم تكن حكومات اسرائيل تحتاج الى أعذار للتنصل من كل اتفاق تضع تواقيعها عليها، لكنها في كل مرة راوغت ومكرت ثم تنصلت وهي تصرخ بالصوت العالي في كل انحاء المعمورة: انظروا ماذا يفعل العنف الفلسطيني بالمدنيين الاسرائيليين.

كاذبة أم صادقة؟ ليس هذا ما يعنيها. المهم انها كانت تتنصل، وأما الاحتلال فيتواصل... أرض تصادر، ومستوطنات تتمدد، وبطش لا يعرف فرقا بين أم حامل وطفل رضيع. ها هي الصورة تستنسخ، فاذا بالكل يدعي وصلا بـ «الأغلبية الساحقة» من الفلسطينيين. يقولون لنا عبر الاذاعات والتلفزيونات والبيانات انها «غاضبة».. «ساخطة».

حسنا، أليست لهذه «الأغلبية الساحقة» أفواه وألسنة؟ لماذا هي مغيبة، لماذا هي صامتة؟ ليس كافيا ان تشهد شوارع غزة مسيرة يشارك فيها ألف، أو الفان، او عشرة الاف، لكي يقال انها تعبر عن اكثر من مليون. الأكثر دقة هو القول ان هذه المسيرات تعبر عن التنظيمات التي دعت اليها، وعن المناصرين لها، انها مسيرات ترتفع فيها الاف الرايات الخضراء والحمراء، رايات التنظيمات التي نظمتها، بينما العلم الفلسطيني يكاد يغيب تماما.

ليس لأحد أن يجادل في حق المعارضة. ليس لأحد ان يقول لهذا التنظيم أو ذاك: لا تعترض على ما جرى، أو ما قيل، في العقبة. لكن ليس لأحد ايضا حق ادعاء تمثيل «الأغلبية الساحقة» من الفلسطينيين. فقط انتخابات حرة لاختيار مجلس تشريعي جديد هي التي تقرر من الذين يمثلون الأغلبية فعلا، وماذا تريد تلك الأغلبية. الآن، اكثر من أية مرحلة مضت، يحتاج الفلسطينيون في الضفة والقطاع ان يقرروا ماذا يريدون، ومن الذي يمكن ان يقودهم الى ما يريدون. فلتأت الأمم المتحدة، ولتتحمل مسؤولية اجراء انتخابات مصونة من اي تدخل من أي جانب. ولتنزل الى الانتخابات كل التنظيمات ـ من يقاطع سيكون غير واثق من قوته في الشارع وبين الناس ـ تحت عنوان عريض: مع الحل المرحلي أو ضده؟ وفي ضوء اجابة الناخبين على السؤال يلتزم الجميع. فاذا كانت أغلبية المجلس التشريعي المنتخبة ضد الحل المرحلي، فليكن، وليعلن الفلسطينيون انهم سيواصلون الانتفاضة المسلحة الى ان يتحقق لهم ما يريدون، ولو بعد عشرات السنين.

الواقع ان هكذا انتخابات ليست فقط ضرورية للفلسطينيين في الضفة والقطاع، بل هي كذلك ايضا للعالمين العربي والاسلامي، وأيضا للغرب واسرائيل. كفى تغييبا للأغلبية الفلسطينية، كفى حديثا عنها وباسمها، فلتقل هي نفسها: أريد هذا وأرفض ذاك!