معالم طريق خطرة جدا

TT

بعد قمتي شرم الشيخ والعقبة، لم تعد خارطة الطريق مجرد خارطة على الورق، بل تحولت إلى معالم للطريق، رسمت بعناية وحصافة ودقة، وطلب إلى العرب المحتفلين بالتدشين السير عليه دون تساؤل أو استفسار عن المحطة النهائية والمصير المرتقب.

ولم تكن معالم الطريق هذه وليدة الساعة، أو حتى وليدة الجهود التي بذلت للتحضير المتقن للقمتين، بل كانت نتيجة الحرب على العراق والانتصار العسكري الذي حققته الولايات المتحدة هناك، ونتيجة تجريد العرب من أسلحتهم، وحتى نتيجة استبعاد أوروبا كي لا تفسد الأجواء الصافية التي تعمل لتأسيس دولة يهودية، رغم وجود ما يربو عن مليون عربي هم بحكم القانون من مواطنيها، بل من المواطنين الفلسطينيين الأصليين الذين سبقوا وجودها بآلاف السنين.

المشاهد المتمعّن للقمتين، لابدّ أن يستغرب غياب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على الأقل، إذا لم نقل غياب الرباعية، التي عملت جاهدة لإنجاز الخارطة، فرئيس وزراء بريطانيا عبّر في أكثر من خطاب عن إلحاحه على ضرورة بدء مسيرة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وطبعا، كان الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في حربها على العراق، ولكن قد يكون لديه بعض الآراء التي لا تتفق والتصفية الكاملة لحقوق الشعب الفلسطيني، أو قد يعارض التحفظات التي قدمها شارون على خارطة الطريق، أو قد يذكر أي شيء عن قرارات الأمم المتحدة. وفي جميع الأحوال، فإن معالم الطريق الجديدة تقتضي أن يعرف العالم برمته أن إسرائيل والولايات المتحدة تحددان المرتسمات اللغوية والمفهوماتية والحقوقية والجغرافية والمستقبلية لهذه المنطقة، وأن من يرغب في الحضور من العرب، سوف يحصل على شرف الحضور إذا وافق على كل كلمة في البيان الذي تم إعداده سلفا،ً والذي يتنكر وبشكل كامل لكل معاناة الشعب الفلسطيني ويحذف تضحياته من مسار التاريخ وينص، وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، على أن مقاومة الاحتلال إرهاب وأن الاحتلال والاستيطان والعنف جزء من الديموقراطية والتحضر!!

لقد قدم العرب في شرم الشيخ والعقبة ما رفض الأوروبيون والعالم تقديمه ضد العرب لقاء وعد مبهم غائم بدولة فلسطينية تعمل على تحقيق الازدهار لإسرائيل، كما أعلن ذلك رئيس وزراء إسرائيل. لقد حققت هاتان القمتان، كما قال الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي الذي عقده على متن طائرة «إير فورس ون»، «أشياء تاريخية ومذهلة»، وهذا صحيح، إذ حققتا اعتراضاً بأن من يحتل الأراضي العربية هو الذي يعاني، واعترافاً بأن كل عربي يقاوم الاحتلال يعتبر إرهابياً ويجب محاسبته، وقد أصاب الرئيس بوش حين قال: «إن نتائج قمة العقبة فاقت التوقعات، وأن ما تحقق هو نتيجة عمل دؤوب وجاد، إذ أن التصريحات لا تأتي من فراغ»، وهذا صحيح أيضاً. وأثنى الرئيس بوش على وزير خارجيته السيد كولن باول، الذي ضمن كل ذلك في اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب كي لا يضعوا عقبات في وجه خارطة الطريق، قد تتمثل في ذكر عرفات أو الاستفسار عن ماهية الدولة الفلسطينية، أو مصير تحفظات شارون على خارطة الطريق. وأُضيفَ إلى ذلك أنه لم يتم ذكر الدماء الفلسطينية لآلاف الأطفال والنساء والرجال التي أُريقت دفاعاً عن الأرض والحرية. كما لم يتم ذكر عشرات آلاف الفلسطينيين الذين اختطفتهم إسرائيل وسجنتهم لا لذنب ارتكبوه سوى لأنهم قالوا «لا للاحتلال والاستيطان».

وقد أكد الرئيس بوش، أن أحد أهم معالم الطريق القادمة، هو أن هناك الكثير من العمل الذي يتوجب فعله، و«أن التركيز يجب أن ينصبّ مائة بالمائة على مكافحة الإرهاب». وبما أن استهداف أي إسرائيلي يعتبر إرهاباً، أما قتل وسجن العرب فيندرج ضمن مكافحة الإرهاب، فالجميع يعلم أي طريق سوف يُطلب منهم السير عليه، كما استقرأ الرئيس بوش «إدراك العرب لواقعهم الجديد ورغبتهم في مقاومة الإرهاب».

ساعات من العمل قوّضت بالنسبة للعرب والفلسطينيين سنوات من الكفاح والتضحيات والمعاناة في سبيل حرية واستقلال فلسطين.

لقد أنجزت هاتان القمتان لإسرائيل ما رفض العالم برمته قبوله، لقد وجه العرب اللوم لأي أجنبي يذكر معاناة الإسرائيليين دون أن يتطرق إلى معاناة الفلسطينيين، بحيث سمع العالم مؤخراً رئيس وزراء بريطانيا ووزير خارجية فرنسا يتحدثان عن معاناة الشعب الفلسطيني الناجمة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلية، وها هي المعاناة تُحذف تماماً من خطاب رئيس وزراء فلسطيني يعتبر «استهداف الإسرائيليين إرهاباً ومنافياً لتراثنا الأخلاقي والديني»، ويصمت عن استهداف الجيش الإسرائيلي للأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين، كما يصمت عن تدمير المنازل وجرف الأراضي الزراعية وقضمها والمأساة الإنسانية التي سببها كل ذلك لفلسطينيي الضفة والقطاع، هذه المعاناة التي تحدث عنها العالم برمته، كما كتبت عنها الصحف الإسرائيلية ذاتها.

والمحطة الأخرى في معالم الطريق الجديدة هذه، هي الطلب إلى باكستان الاعتراف بإسرائيل، والطلب إلى العراقيين تسليم أسلحتهم، والطلب إلى العرب قبول أن يُقتلوا دون أن يطلقوا صرخة واحدة ضد الاحتلال والمهانة وإلاّ وُصموا بأنهم إرهابيون. إننا نقترب، ونحن نكتشف معالم الطريق الجديدة هذه، من تاريخ الهنود الحمر الذين أُلغيت حقوقهم ودُمرت حضارتهم وأصبحوا مجرد بقايا سكان أصليين يشكلون مادة محزنة لبعض الدارسين والمهتمين.

إن معالم الطريق الجديدة خطيرة على الوجود العربي والحاضر العربي والمستقبل العربي، إذ لم يعد المطلوب تحقيق السلام، بل الخنوع لإرادة شارون ولمنطق القوة وتنكر العرب أنفسهم لحقوقهم التي أقرتها الشرعية الدولية والشريعة الإلهية والإرث الحضاري والإنساني.

* كاتبة سورية