عندما أفتى خرازي

TT

لم يفت على احد سماع فتوى وزير الخارجية الايراني كمال خرازي القائلة بتحريم امتلاك الاسلحة الذرية. بدت فتوى غريبة صادرة عن وزير خارجية كان هدفها الرد على الدعاوى الاميركية، لكنها بالطبع لم تفلح في اقناع الاميركيين لأنهم لا يأبهون للفتاوى فهم اتباع نظرية الشك الديكارتية، يؤمنون فقط بفتح المعامل والمفاعلات السرية. وفتوى خرازي ليست حاسمة، فقد سبق لمفتي احدى الفضائيات ان قال قبل عام ان امتلاك القنبلة الذرية فرض عين، وعلى المسلم ان يجد حتى يحصل عليها.

كثيرون لن يأبهوا لسماع فتاوى امتلاك الاسلحة الذرية او اخواتها من اسلحة الدمار الشامل رغم شعبية الفتاوى في كل المجالات السياسية هذه الايام. كثيرون ينظرون اليها من احد جانبين انها تمثل رمز التفوق العسكري، وانها السلاح الأوحد لكسب المعركة. وهذا التصور القاصر الباحث عن حل للهزيمة العربية ظل شائعا في منطقتنا لسنين طويلة، وقلة حاولوا تحديه. فالتصنيع الذري في الغرب نتيجة للتطور العلمي والصناعي ايضا، الأمر الذي يعجز عن فهمه البعض. المهم في نظرهم الحصول على قنبلة ذرية بالشراء او باستيراد العلماء او بتفريغ البلاد من الامكانيات المالية والبشرية وتسخيرها فقط لتصنيع رأس او رأسين نوويين. الحقيقة المجهولة انها طريق مسمومة ليس الا.

ما حدث في موقع التويثة النووي العراقي يعزز ما قاله الوزير خرازي بتحريم هذا السلاح البشع. فقد ظهرت بين اهالي القرى المحيطة عوارض امراض خطيرة منسوبة للتلوث الاشعاعي انتقل لهم بعد نهبهم براميل وصناديق الموقع، معتقدين انها مثل ممتلكات بقية الوزارات الحكومية الأخرى التي طالها السلب. وبعد اسابيع من استحمام الناس في البراميل المشعة وجلب المياه فيها للطبخ والغسيل صارت المنطقة اول ضحية عربية للمشروع الذري.

من رأى ما حدث لمنطقة تشرنوبيل الروسية بسبب عطل في مفاعلها وتسرب اشعاعاته للمدن المجاورة سيصاب بالذعر من طبيعة المخاطر التي تسببها هذه المواقع المدنية والعسكرية للبيئة والانسان المقيم في محيطها. وعلينا الا ننسى اننا نجهل حجم الكوارث في المناطق التي تؤوي المواقع النووية في الهند وباكستان وغيرهما من الدول التي تفتقر الى امكانيات الحماية لدرء مخاطرها، فهذه الدول تضرب طوقا من السرية ليس لمنع تسرب الاشعة القاتلة بل لمنع تسرب اخبارها المشؤومة وما يرتكب داخلها من اخطاء واهمال قاتلين.

لذا فالدعوة الى تحريم هذه الاسلحة في منطقتنا هي حماية للجميع وهذا ما طرحه ولي العهد السعودي في قمة شرم الشيخ عندما خص الاميركيون ايران بالنقد، وكان رأيه انه يجب منع الجميع، بما في ذلك اسرائيل.

اختم بواحدة من الصور التي شاهدتها وصورها فريق الامم المتحدة الاول الذي قام بالتفتيش في العراق قبل سبع سنوات. ظهرت في الصورة قنبلة صدئة مدلاة في نهر ومربوطة في طرفها الأعلى من سلسلة الى حافة النهر. وذكر مفتشو الامم المتحدة كيف صدموا انهم وجدوا بداخلها كمية كبيرة من مكونات جرثومية يكفي جزء منها لتسميم نهر دجلة لمائة عام مقبلة. وعزز احد المفتشين المشكلة بقوله ان تسميم النهر كان يمكن ان يحدث بطريق الخطأ لو أن مركبا اصطدم بالقنبلة المخبأة. فهل يعقل ان نفاخر بتقدم علمي هذه نتائجه المحتملة؟