حتة واحدة

TT

«حتة واحدة» كان هذا هو عنوان الرسالة التي تلقيتها على بريدي الالكتروني تعليقاً على مقال سابق حول مصر والسودان، وهذا التعبير هو تعبير مصري سوداني يتحدث عن العلاقة بين البلدين ويصفهما بأنهما ـ أي مصر والسودان ـ «حتة واحدة»، بل وتطور الأمر الى أن وصل هذا التعبير في النكات التي تتناول العلاقة بين البلدين لتحمل المعنى العكسي عندما يتعرض سوداني أو مصري لموقف يسيئه فيصرخ قائلا «ليس حتة واحدة، بل مليون حتة». الرسالة وقعها سوداني مقيم في أوروبا كنيته «أبو محمد» يقول فيها «عندما رأيت جواز سفري الذي امتلأ بتأشيرات الدخول لمطارات العالم بحثت لأرى أين ختم مطار القاهرة». ويروي كيف انتظر ساعتين ليأتيه ضابط الجوازات معتذراً عن التأخير بابتسامة قائلا «معلش نحن اخوة». «أنا زول مغمور» يقول أبو محمد الذي يضيف «يعاودني الحنين لزيارة مصر، ولكن التأشيرة أصبحت أصعب على السوداني من الحصول على تأشيرة لأميركا».

وأنا في المقابل أقول ان السودان لاهل مصر أصبح صعب الوصول إليه، بسبب الطرق أو بسبب الحصول على تأشيرة. أبناء وادي النيل الواحد فرقت بينهم السياسة والواقع على الأرض، ولم تعد مصر والسودان «حتة واحدة»، وليس أيضا «مليون حتة» بعد ولكن ما زالت الفرصة سانحة لانقاذ ذلك.

زميلي الصحفي السوداني زين أسأله عن الطرق البرية بين مصر والسودان ليؤكد لي ما أعرفه من انه ليس هناك طريق بري يربط البلدين، ليس هناك خط سكك حديدية، ليس هناك سوى عبارتين عبر نهر النيل تحمل فقراء البلدين في رحلة صعبة بين أسوان ووادي حلفا، وهي تصل اسوان مرة كل اسبوع غير كاملة العدد بعد فرض تأشيرة الدخول بين البلدين عام 1995، وليس هناك طريق بري سوى ذلك الطريق عبر حلايب وشلاتين، وهو طريق وعر وصعب يحتاج الى دليل من خبراء المناطق المعنية وعبره تتم عمليات تهريب السلاح والمخدرات أو خروج الهاربين، والذي ما كان ليوجد لولا المشكلات التي ثارت بين البلدين في وقت ما حول هذه المنطقة، ويبقى فقط طريق الجو مع ارتفاع كلفته وصعوبة الحصول على التأشيرة من كلا الطرفين.

قد تكون هذه المعلومات مفاجأة بالنسبة للكثيرين، ولكنها واقع، فالبلدان اللذان كانا بلداً واحداً يوماً ما لا يملكان خطاً برياً أو قطاراً يربط بينهما، رغم كل المراحل التي مرا بها باسم التكامل والتعاون والوحدة والاتحاد والتنسيق وسم ما شئت من اسماء.

مرة أخرى لا مجال لنجاح سياسي اذا غابت المصلحة، مصلحة الشعوب وارتباطها، وادراك ذلك متأخراً أفضل كثيراً من عدم ادراكه أو تجاهله على الإطلاق.

[email protected]