وصايا دولية ـ أميركية على فلسطين تمهيدا لقيام دولتها المستقلة

TT

من السذاجة الاعتقاد بأن الرئيس الاميركي والقادة العرب الذين اجتمعوا في شرم الشيخ والعقبة، من اجل دفع عملية السلام، كانوا لا يدركون الصعوبات التي سوف تعترض تنفيذ خارطة الطريق او ان رئيس الحكومة الفلسطينية والقادة الآخرين، كانوا لا يعرفون سلفا موقف حماس والجهاد الاسلامي والفصائل وكل المنظمات والدول المعارضة، وان شارون نفسه لن يضع العصي في الدواليب. الا انه من السذاجة، ايضا، اعتقاد الرافضين للسلام في المنطقة، بأن الانظمة العربية والولايات المتحدة والدول الكبرى والمجتمع الدولي، سوف تتركهم يستمرون في اعتماد العنف والارهاب لتحقيق اهدافهم، لا سيما ان تحقيق هذه الاهداف لا يقتصر على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، بل يمر باسقاط الانظمة العربية والاسلامية الحاكمة وضرب الولايات المتحدة ونقض الحضارة الغربية عن طريق العمليات الارهابية (يا له من برنامج واسع!). ماذا سيكون موقف الحكومة الفلسطينية من المنظمات والجماعات الرافضة لخارطة الطريق ولقمتي شرم الشيخ والعقبة، بعد ان اعلنت رفضها؟ ان شارون لن يجلس الى طاولة المفاوضات، بل لن يسحب قواته من الضفة وغزة، ما لم يتوقف العنف والعمليات الارهابية، سواء سميت مقاومة ام جهادا ام عمليات استشهادية، وليس اكيدا ان انسحابات جزئية وافراجات ضئيلة عن الفلسطينيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية، من شأنها وقف عمليات المقاومة والارهاب الفلسطينية، ولكن هل تقدم الحكومة الفلسطينية على نزع اسلحة المنظمات المعارضة بالقوة من دون تفجير حرب أهلية فلسطينية ـ فلسطينية؟ وهل بامكان الحكومة الاسرائيلية امام الرأي العام الاسرائيلي الانسحاب من الضفة وغزة والقيام بخطوات مهمة من اجل طمأنة الفلسطينيين على «حسن نيتها»، قبل ان يتوقف العنف؟

قد يكون الحل، عند البعض، وقف او تجميد عمليات العنف والمقاومة والارهاب ـ اي هدنة ـ لمدة ثلاثة او ستة اشهر، لاتاحة الفرصة امام الحكومتين الفلسطينية والاسرائيلية للجلوس معا وابتداء المفاوضات، كما يرى البعض أن نجاح خارطة الطريق مرهون بالدور الذي تريد او تستطيع الادارة الاميركية والدول العربية والاسلامية القيام به في هذه المفاوضات، بل في تنفيذ المراحل المتتالية من خارطة الطريق. ان حضور الرئيس جورج بوش الى المنطقة مهم وتصريحه بأن اقرب اعوانه، اي باول ورايس، سوف يتابعان المفاوضات وتنفيذ الخارطة عن كثب، هو ايضا مهم، ولكنه ليس كافيا، فالمطلوب ليس الحضور والتدخل والتقريب بين المواقف، بل الالتزام العضوي لدى توجيه المفاوضات والاستعداد لتحمل نتائج واعباء السلام، لا سيما مع الفلسطينيين.

في مقال نشرته مجلة «فورين افيرز» لمارتن انديك، السفير الاميركي السابق في اسرائيل، يرى الدبلوماسي الاميركي ان الطريقة الوحيدة لنجاح خارطة الطريق، هي في وضع الضفة وغزة تحت وصاية او انتداب الامم المتحدة، وتكليف سلطة انتداب تساندها قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة، بادارة الامور بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية ـ اي نزع السلاح وحفظ الامن والقيام بالاصلاحات والخطوات اللازمة، تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية القادمة. وهو يعتقد بأن الفلسطينيين والاسرائيليين يرحبون بهذا الحل، لان الفلسطينيين طالبوا بقوات دولية، كما ان الاسرائيليين يطمئنون الى كون هذه القوات اميركية او اميركية ـ اوروبية.

ان الفكرة مغرية ولا ريب، خصوصا ان كل الافكار والسيناريوهات الاخرى تصطدم بعقبات كبيرة. ولكن ما هو تأثير ارسال قوات اميركية الى فلسطين على الرأي العام الاميركي عشية انتخابات رئاسية يخوضها الرئيس بوش؟ في الواقع لن يكتب لخارطة الطريق النجاح اذا ترك امر تنفيذها او التفاوض عليها للفلسطينيين والاسرائيليين وحدهم، واذا لم «تغطس فيها» الولايات المتحدة «حتى رقبتها»، واذا لم تساعد، بل تشارك، الدول العربية في انجاحها وفي تحمل اعبائها.

لقد لعبت القضية الفلسطينية دورا محوريا في تقرير مصائر الدول والشعوب العربية، كما ان الدول العربية او بالاحرى مصالح انظمتها، اثرت في مصير الشعب الفلسطيني، سلبا وايجابا. اما اليوم فان القضية الفلسطينية ارتبطت بالحرب العالمية التي تخوضها الولايات المتحدة على الارهاب، وليس امام الولايات المتحدة والاسرائيليين والفلسطينيين والعرب والمسلمين سوى التقدم في احد طريقين: طريق السلام في الشرق الاوسط او طريق الحرب العالمية الثالثة.