محبة سلطان العارفين

TT

توصيف المشكلة الازلية داخل حدود مدينة اللاذقية جاء على لسان المعري في عصره المضطرب (العاشر الميلادي) في بيته المشهور (في اللاذقية ضجة ما بين احمد والمسيح) وهي ضجة سمع بعضها المتنبي اثناء اقامته عند ابي علي الاوراجي في تلك المدينة الساحلية الساحرة، اما الحل النهائي المقترح لكل العصور فقد جاء بعد المعري بقرنين وايضا من داخل سورية لكنه هذه المرة على لسان سلطان العارفين محيي الدين ابن عربي:

لقد صار قلبي قابلا كل صورة

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لاوثان وكعبة طائف

والواح توراة ومصحف قرآن

ادين بدين الحب انى توجهت

ركائبه فالحب ديني وايماني

ولا اعرف لماذا تذكرت هذه الابيات بالذات وانا اشهد اطلاق موقع (المسيحية والثقافة) الاربعاء الماضي الذي يحمل وجهة نظر معهد جديد بذات الاسم يديره القس السوري نديم نصار مهمته تكريس التفاهم والتسامح بين الاديان. ولاحقا قلت لنفسي لقد جاءت اللاذقية قطعا الى البال ـ وهي نادرا ما تغيب ـ لان نديم نصار منها لكن ذلك التفسير لم يكن يكفي، فقد حضرت مع اللاذقية في وقت واحد قرية سورية اخرى اسمها معلولا لا يزال اهلها الى اليوم يتحدثون لغة السيد المسيح عليه السلام.

في تلك القرية التي تتقاسم الشهرة مع صيدنايا ولا تبعد كثيرا عن دمشق صعدت ذات زمن بعيد جبلا شاهقا لاطل على العالم من عل وعلى قمة الجبل رأيت الكهف الذي يحتضن جثمان اول شهيدة مسيحية هربت بدينها الى القفار لتعيش مع الوحوش بعد ان ضاق بها ذرعا حقد بني الانسان فلم تسلم لان الرومان و احفاد هيرودتس لاحقوها وقتلوها في كهفها. وهناك حيث الصفاء لا تعكره غير اسراب الطيورالعابرة الى الشمال خشع قلبي فانت لا تستطيع الا ان تحترم وتجل من يهرب بدينه ـ مهما كان دينه ـ الى تلك الاقاصي.

وقد يقول البعض عن معهد وموقع ـ المسيحية والثقافة ـ ان امثال هذه المواقع والمعاهد تكاثرت ولا حاجة للمزيد منها واظن انها ما تزال قليلة واننا بحاجة اسلاميا ومسيحيا ويهوديا الى المزيد من ثقافة التسامح والتفاهم والتقارب، فحجم الشر مع تنامي التطرف شرقا وغربا يزيد باستمرار وهذه ظاهرة لا تحسمها الاسلحة فانت تستطيع ان تحارب الدول والجيوش وتنتصر عليها لكنك لا تستطيع ان تحارب دينا ولا ان تهزم فكرة الا اذا اتيت بافضل واكثر قبولا عند الناس منها .

ان حل ابن عربي ـ ادين بدين الحب ـ موجود منذ تسعة قرون لكنه لم يستخدم الا نادرا، فعصر سلطان العارفين كان عصرالحروب الصليبية التي وضعت اسس الكثير من نماذج الكراهية المعاصرة التي يعود اليها المتطرفون من الجانبين لتبرير طروحاتهم .

صدق سميينا الكبير النائم بجمال روحه عند سفوح قاسيون، فالحل الطبيعي لكل هذه الكراهية المخيفة المحبة الصافية حيث يتحول قلب الانسان الى بستان حب ومرعى تسامح ومصنع تفهم للبشرية وتعاطف مع احزانها ومآسيها ورغبة في تحسين اوضاعها وفتح الافاق على رحابتها امام جميع الناس بغض النظر عن اعراقهم وافكارهم ودياناتهم وذلك لا يتم ولن يتم الا بعشرات ومئات والوف معاهد التفاهم والتسامح الاسلامية والمسيحية واليهودية.

الحب مشكلة عند من يقزمه ويقصره على الشهوات والغرائز، والحب حل عند من يدرك ابعاده الحقيقية الرحبة القادرة على صنع المعجزات، فالله محبة والسلام والنماء وتحويل الدنيا الى فردوس ارضي اهداف معلنة عند جميع الايدولوجيات والاديان، والمشكلة ليست في النظريات والعقائد لكن في ايجاد من يطبق تلك النفحات السامية والافكار.