كلمة مختلف عليها لأرض مختلف عليها

TT

لقد ادرك رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرييل شارون، أن الكلمة في الشرق الأوسط يمكن أن تنفجر كما تنفجر القنبلة. قال يوم 26 مايو (أيار): «طريقة التفكير وجملة الأفكار التي تقول أن من الممكن مواصلة وضع الناس تحت الإحتلال..» وهنا توقف شارون ليكشف أنه على وعي بالضجيج والاستنكار الذي سيخلقه استخدامه لهذه الكلمة، وواصل حجته «.. ولكن ما يحدث هنا ليس سوى احتلال. إن وضع ثلاثة ملايين ونصف المليون من الفلسطينيين تحت الاحتلال، هو في إعتقادي، أمر سيئ بالنسبة إلى إسرائيل، وسيئ بالنسبة للفلسطنيين وسيئ بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي».

ولأن الكلمة جاءت من شارون، الذي بنى المستوطنات ودافع عنها لأكثر من عقد، جاء وقعها صاعقا بالنسبة لزملائه المتشددين القدامي. فالجنرال السابق، تعمد لعدة سنوات الإشارة إلى الأراضي التي يطالب بها العرب الفلسطينيون، على انها «يهودا والسامرة»، أملا منه في أن إحياء الإرث اليهودي التوراتي سيصبغ شرعية تاريخية على حق إسرائيل في امتلاك الأراضي الواقعة إلى الغرب من الضفة الغربية لنهر الأردن.

رفض شارون أن يسمي تلك الـ1.45 مليون من الأفدنة (580 ألف هكتار) بـ«الضفة الغربية»، كما تفعل أغلب وسائل الإعلام الغربية، لأن هذا يمكن أن يوحي بأن الأرض ليست جزءاً من دولة إسرائيل. وكان شارون واحدا من اولئك المتشددين الذين يرفضون عبارة يعتبرونها أكثر إنحيازا إلى الفلسطينيين هي «الضفة الغربية المحتلة». ومع أن المملكة الاردنية ظلت تدعي ملكية هذه الأرض من 1948 وحتى 1967، إلا أن إدعاءها لم تعترف به أغلب دول العالم. وبعدما هزمت إسرائيل الجيوش العربية عام 1967، دخلت تلك الأراضي لضمان الحصول على ما أسمته « الحدود القابلة للدفاع عنها».

وفي ضوء قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى الإنسحاب من «أراض»، وليس كل الأراضي، احتلت بعد الحرب، حاول الإسرائيليون استخدام مصطلح «أراض مدارة». ولكن اولئك المتعاطفين مع قضية قيام دولة فلسطينية مستقلة، كانوا يفضلون مصطلح «الضفة الغربية المحتلة» الذي اضفى على الوضع طبيعة غير دائمة.

وفي العام الفائت كتب دوري غولد مستشار شارون: «هناك فرق هائل، بين وضع تتعامل فيه إسرائيل «كمحتل أجنبي» بلا حقوق إقليمية، ووضع يكون لإسرائيل حق تاريخي قوي في ملكية الأرض». وقد اختار وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد موقفا قربه إلى قلوب الإسرائيليين المحاصرين في ركن ضيق، عندما كشف عن انتباهه لدقائق المعاني وظلالها فتحدث عن «ما يسمى بالاراضي المحتلة».

ثم تعمد شارون استخدام كلمة «احتلال» عدة مرات. فسارع المدعي العام الإسرائيلي، إلياكيم روبنشتاين، إلى توبيخ شارون مذكرا إياه بأن المصطلح الصحيح هو «الأراضي المتنازع عليها». وقد قبل شارون التوبيخ والتصحيح وقال: «لسنا محتلين. وبالنسبة للقاموس الدبلوماسي هذه أراض متنازع عليها». وقال لأتباعه في حيفا أنه انما كان يشير إلى السكان وليس إلى الأراضي.

«لا نريد أن نحكم ثلاثة ملايين ونصف المليون من الفلسطينيين. هذا هو ما عنيته عندما استخدمت كلمة احتلال».

ولكن سبق السيف العذل... فالكلمة العبرية التي استخدمها شارون هي «كيبوش» والتي تترجم عادة بكلمة «غزو» أو «فتح». أما جذر كلمة «احتلال» هو الكلمة اللاتينية «اوكيوباري» وهي أن تستولي بالقوة على الارض، كما فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالعراق، حيث هم الآن «قوات الإحتلال»، التي تتعامل كقوة ذات سيادة مسؤولة عن حفظ النظام. وهما كلمتان لا ترغب أغلبية الإسرائيليين في استخدامهما في المفاوضات، وهذا هو سبب الصاعقة التي نزلت على رؤوس المتشددين، والارتياح الذي شعر به الفلسطينيون.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»