هل هناك طريق آخر... بعد محاولة نسف خريطة الطريق؟

TT

بددت حكومة شارون الامل في سرعة تطبيق «خريطة الطريق» بعد ان ضربت طائراتها الحربية سيارة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي المتحدث الرسمي باسم حركة «حماس»، واصابته باصابات بالغة، ووضعت قضية السلام في أزمة جديدة تزيد الموقف تعقيدا وخطورة.

ولا شك في ان ارئيل شارون اذا كان صادقا مع نفسه يدرك من تجاربه الذاتية ان اسرائيل لا يمكن ان تحقق الامن والاستقرار لشعبها طالما تلجأ لمثل هذا الاسلوب العدواني الذي يعتمد على الحصار والتدمير والاغتيال، لانه وعد عند وصوله الى مقعد رئيس الوزراء بأنه قادر على تحقيق الامن خلال 100 يوم، ومضت الايام والشهور والسنوات والامن سراب واسلوبه في التعامل مع القضية يزيد العنف ويضرم الكراهية ويثبت ان شعب فلسطين ثابت في مقاومته لم يرفع اعلام الاستسلام البيضاء، ولم يقبل الاحتلال الاسرائيلي، ولم يتراجع عن المقاومة والنضال من اجل اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

والمؤسف ان تدبر حكومة اسرائيل محاولة اغتيال الرنتيسي في وقت كانت رجحت فيه كفة الامل بتحقيق تسوية سلمية بعد ان اجمعت الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي والامم المتحدة على تقديم خريطة الطريق كوسيلة لدفع مسيرة السلام، وبعد ان كانت الحكومة الاسرائيلية قد ابلغت امريكا بأنها لن تلجأ الى التصعيد بعد ان زار الرئيس بوش المنطقة زيارة غير مسبوقة وحضر قمتي شرم الشيخ والعقبة وادلى بتصريحات تؤكد حرصة على قيام دولة فلسطينية، وتوقع المراقبون ان تسفر هذه المحادثات والبيانات عن تسوية سلمية.

ولكن اثبت شارون انه لا يسبح مع تيار السلام، وانما يسبح ضد هذا التيار، لم يحاول مطلقا مساعدة النوايا الطيبة عند محمود عباس (أبو مازن) بتهدئة العنف، وإنما زاد الموقف اشتعالا فور تعيينه رئيسا للوزراء بمواصلة هجماته للاغتيال والتدمير، ومحاولته الاخيرة لاغتيال الرنتيسي كانت في مضمونها محاولة لنسف خطة الطريق وابطال فعاليتها، عن طريق احراج السلطة الوطنية الفلسطينية التي أخذت موقفا حريصا على تحقيق الوحدة الوطنية عن طريق الحوار لوقف العنف وبدء مرحلة جديدة من التعامل العقلاني مع المشكلة، ومضت في هذا السبيل عدة خطوات مبشرة بالوصول الى اتفاق مشترك.

ولكن وصلت الامور الى تعقيد غير مسبوق، فقد عدلت حماس والجهاد عن موافقتهما السابقة على الحوار مع محمود عباس، ولجأتا الى الرد المباشر على محاولة اغتيال الرنتيسي بعملية استشهادية في القدس الغربية راح ضحيتها 16 اسرائيليا واصيب 65، الامر الذي زاد الموقف تعقيدا ودفع ياسر عرفات الى المبادرة بادانتها كما ادان محاولة اغتيال الرنتيسي، وذلك بعد ان كانت قد استجابت هذه المنظمات الى مواصلة النضال ضد العسكريين الاسرائيليين داخل الارض المحتلة في الضفة الغربية وغزة، وليس داخل الاراضي الاسرائيلية بالعمليات الاستشهادية التي يروح ضحيتها بعض الابرياء، في وقت لم تتوقف فيه حكومة شارون عن أسلوب العنف الذي يدمر كل فرص الوصول الى تسوية سلمية.

والدليل على اصرار حكومة شارون على نسف خريطة الطريق ومعها كل محاولات التسوية السلمية، صدور تصريحات متشددة من بعض العسكريين الاسرائيليين المؤيدين لشارون، وقد يكون هذا امرا مفهوما، ولكن ان تصل الامور الى حد تصريح وزير العدل الاسرائيلي الذي يفترض فيه الدفاع عن الحريات الانسانية والقوانين الدولية، بأن «تصفية الإرهابيين مبررة»، دون ان يميز الفرق بين شعب يقاوم من اجل تحرير ارضه من الاحتلال، ودولة تستخدم كل وسائل العنف والارهاب، فان الامر عندئذ يحتاج الى وقفة لتأكيد ان الاتجاه المتشدد اصبح مسيطرا على الشعب الاسرائيلي، وانه يعمل على تثبيت الاستعمار الاستيطاني الذي يتجسد في 150 مستوطنة فوق الاراضي الفلسطينية تضم حوالي 200 ألف اسرائيلي، وهي مستوطنات يرفض شارون ازالتها أو نقلها، ويكتفي بازالة ما يسمي بالمستوطنات العشوائية التي لم تأخذ تصريحا باقامتها وعددها محدود وسكانها لا يتجاوزون المئات.

ولا شك في ان شارون يقف تماما مع العناصر اليمينية المتطرفة التي تصر على بقاء المستوطنات وتقاوم الرحيل عنها أو ازالتها، وهي العناصر التي يجمعها تحالف الليكود. تصريحات شارون التي يدلي بها عن قبوله لخطة الطريق هي للتمويه ومحاولة ارضاء الادارة الامريكية، التي لا تأخذ موقفا قويا لتحقيق هذه الخطة، ولا شك ايضا ان هناك تباينا وتناقضا داخل المؤسسة الاسرائيلية تسيطر فيه قوى التشدد والتطرف.

والسؤال الذي يطرح بشدة الآن، هو ما اذا كان هناك امل في دفع مسيرة السلام بعد هذه التعقيدات التي فرضتها حكومة شارون، وهنا يجب ان يتغلب صوت العقل والحكمة، وان لا تندفع الامور بالغضب والانفعال الى هاوية اليأس، وعودة مصر لمواصلة دورها السابق الذي استهدفت به التفاهم والتقارب بين جميع التنظيمات الفلسطينية لاتخاذ موقف موحد في ظروف اكثر صعوبة، هو موقف يستحق المساندة على اساس الا يكون الحوار فقط من أجل نبذ التنظيمات الفلسطينية للعنف دون مقابل من جانب الحكومة الاسرائيلية، وانما يكون من اجل اتخاذ موقف سياسي موحد تلتزم به جميع التنظيمات، وهنا يبرز دور الادارة الامريكية التي يجب ان تتدخل بايجابية لدى كل من الطرفين لوقف دوامة العنف التي يمكن ان تنتكس بأحلام الذين اعتمدوا على خريطة الطريق كوسيلة لاقرار السلام، وكل الجهود يجب ان تركز الآن لاكتشاف طريق جديد يمكن معه للخريطة ان تواصل مسيرتها دون عقبات أو انتعكاسات، وهذا لن يكون الا بمواجهة المتطرفين وتغليب العقل والحكمة.