كوريا الشمالية والصفقة النووية الجديدة...

TT

كشفت صحيفة «الهارلد» الكورية الصادرة في يوم الاحد عن تفاصيل زيارة الرئيس الكوري الجنوبي روه موي هيون الى طوكيو ولقائه رئيس الوزراء الياباني كويزومي في اطار الجهود الرامية لنزع فتيل الازمة المشتعل في الواقع، منذ اعلان بيونج يانج (كوريا الشمالية) في 10 يناير الماضي عن تراجعها عن قرارها الانفرادي بموجب البيان المشترك مع الولايات المتحدة المؤرخ في 11/6/1993 بوقف تنفيذ انسحابها من معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية المعروفة اصطلاحا NPT. وقد تراجعت بيونج يانج عن قرارها الانسحاب من المعاهدة عام 1993 اثر صفقة ابرمتها مع الولايات المتحدة، تقوم بموجبها الاخيرة بتقديم مفاعلين نووين لتوليد الطاقة لاغراض سلمية، وذلك بطبيعة الحال تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (فيينا) بموجب نظام الضمانات الخاص بالوكالة الدولية، بالاضافة الى امدادها بخمسمائة الف طن من الوقود الثقيل وحزمة من المساعدات الانسانية تقدمها اليابان. في المقابل تتعهد بيونج يانج بعدم تطوير اي برامج نووية للاغراض العسكرية على ان يتم وقف هذه المساعدات بمجرد تشغيل المفاعلين ولتوليدهما للطاقة، خاصة الكهربائية منها. تبع ذلك قرارها الرافض للامتثال لتعهداتها الرقابية من خلال طرد المفتشين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية وتفكيك آلات التصوير الخاصة بالرقابة والتحقق. ويتضح من تغطية وسائل الاعلام والبيانات الصادرة من العواصم المعنية، بأن هنالك حيرة في كيفية التعاطي مع هذه المسألة البالغة الحساسية. ليس لشبه الجزيرة الكورية فحسب بل للشرق الاسيوي برمته. سيول، تطالب «الحوار والضغط». اما طوكيو فتتطابق دائما مع الموقف الامريكي الداعي الى «الاجراءات الصارمة» وتفكيك البرنامج النووي (الكوري الشمالي) بشكل «فوري وتام» كما اعلن اري فلايشر المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين الماضي، رداً على اعلان بيونج يانج في ذات اليوم بجهوزيتها للمضي قدما في تطوير برنامجها النووي. بيجين الجار والحليف لبيونج يانج، والتي استضافت جولة من المفاوضات غير الناجحة خلال شهر ابريل الماضي عقدها الجانبان الامريكي والكوري الشمالي، تحث وتطالب بـ«حل سلمي» اما موسكو المسكونة بالذكريات والرفاق تدعو «البعد عن التوتر».

المتابعون، من اقصى الارض الى ادناها، يرصدون عن كثب اللاعب الرئيسي في هذه الازمة الطاحنة، وهو الرئيس الكوري الجنوبي روه موي هيون الفائز بالرئاسة كمرشح لحزب الالفية الديمقراطي، الذي يتبنى (الحزب) موقفا مناهضا للوجود العسكري الامريكي. كما تركز برامجه على دعم الطبقتين الوسطى والفقيرة في البلاد والوحدة مع الجار الشمالي المثخن بالجراح التي ادمته خلال نصف قرن برامج شيوعية لا تتماشى مع الاشقاء في الجنوب المفعم بالنشاط والمتقد حيوية وانتاجا. ويتمتع الرئيس الجديد بجاذبية، نظرا لصغر سنه نسبيا، 56 سنة. وخلفيته كمحام متخصص في الحقوق المدنية اضفت عليه مسحة انسانية. تجعل من القرارات الصعبة التي يمكن ان يتخذها مستقبلا ذات قبول شعبي. ونقلا عن المراسل الدولي (دوك سترك) في صحيفة «واشنطن بوست» الذي يورد يوم الجمعة الماضي، عزم القوات الامريكية البالغ عددها 37.000 «الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين» واعادة الانتشار في مناطق خلفية قريبة من العاصمة سيول. وربما ادت هذه الخطوة الى تخفيف حدة التوتر ودعم الجهود التي يبذلها الرئيس روه في هذا المجال. وتنفي كوريا الشمالية عن نفسها تهمة الابتزاز التي تطلقها الولايات المتحدة، وتبرر خطواتها الرامية لتطوير سلاح نووي محظور دوليا، بهدف توفير اموال بتقليص ميزانيتها الخاصة بالاسلحة التقليدية؟! وتطالب بيونج يانج باجراء حوار ثنائي ومباشر مع الولايات المتحدة يفضي الى تقديم مساعدات اقتصادية وتقوية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في اشارة الى القرار الذي اتخذته واشنطن في ابريل الماضي بابقاء بيونج يانج في قائمة «الدول الراعية للارهاب». بدورها تتمسك الولايات المتحدة بتفكيك البرنامج النووي بشكل كامل قبل بدء اي حوار يكون متعددا وليس ثنائيا بمشاركة اليابان وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا والولايات المتحدة.

ان هذه الازمة المقبلة على مزيد من التصعيد، اراها جديدة حسب مقاييس العلاقات الدولية، فقد درجت الدول الكبرى ومن حذا حذوها، على امتلاك السلاح النووي بغرض الردع، لكننا نرى اليوم كوريا الشمالية تسعى لامتلاكه بغرض مقايضته بالطعام، وهذا غرض نزيه لا شك في بلد لديه عجز في الغذاء يصل الفرق فيه بين الحاجة والمنتج فعلياً الى 1.3 مليون طن متري (نقلا عن Strategic Survey 2002/3 الصادرة عن جامعة اكسفورد)، لكن السلعة المراد مقايضتها حادة وجارحة. ان الاتفاق الذي ابرم قبل عشر سنوات بين نفس الاطراف تقريباً، لن تقبل بيونج يانج التوقيع عليه هذه المرة، طالما انها وضعت على المائدة (المستديرة) امام المؤتمرين بضع رؤوس نووية تحفها صواريخ قادرة على حملها الى مواقع شتى في العالم. يشير البعض الى ان الساحل الغربي للولايات المتحدة يقع في مداها؟