انتخابات الكويت والأردن

TT

ذهب الاردنيون الى الاقتراع امس للمرة الاولى في «غياب» العراق، ويذهب الكويتيون الى الاقتراع بعد ايام، ايضاً للمرة الاولى في غياب العراق. وكانت بغداد تشكل هاجساً جاثماً للدولتين، ولو في ظروف ولأسباب مختلفة. وقد قامت بين العراق والاردن اكثر العلاقات غرابة بين الدول. فلم يعرف احد، في اي مرحلة، ان كان الاردن راضياً ام مكرهاً، وان كان مستفيداً من تدفق النفط الرخيص ام متكبدا من تدفق اللاجئين الباحثين عن اي مكان. وبين هذا وذاك خسر الاردن علاقاته لسنوات طويلة مع اهل الخليج، وتدفق عليه الفلسطينيون العائدون من الكويت وسواها، ومع ذلك بقي مضطراً الى ان يكون رئيس وزرائه اول رئيس حكومة عربي يزور بغداد في طائرة رسمية.

وتترابط قضايا الكويت والاردن مع العراق، على نحو شديد الاختلاف وشديد التعقيد. فالاردن الهاشمي لا يزال مطروحاً كراع للحكم في العراق برغم النفي الشفهي والكتابي المتكرر من الملك نفسه ومن الحسن بن طلال، المندوب الخاص للتشاؤم العربي العميق هذه الايام. ولا يزال للاردن ادوار اخرى بحكم الجوار، سواء على المستوى الهاشمي او دونه. والكويت التي كانت خائفة من العراق ومحزونة منه، حاولت ان تلعب دوراً، او ان يكون لها دور في اسقاط النظام. واعتقد ان المعركة الانتخابية في الكويت جعلت عدداً كبيراً من المرشحين يتصرفون وكأنهم هم الذين اسقطوا صدام حسين. ولا ادري مدى الحكمة في مثل هذا التصرف ولا كيف سينعكس على العراقيين، خصوصاً خصوم صدام حسين. ولقد صور عدد من كتاب الكويت، هزيمة العراق العسكرية امام الاميركيين، وكأنها انتصار شخصي لهم. وتبنوا فكرة الحرب، مع انها كانت واقعة بالتبني او من دونه. وفات البعض ان يضع خطاً واضحاً بين الانتقام من الاحتلال الصدامي وعمليات الاسر والقتل والتدمير، وبين بداية العلاقة الجديدة مع ملايين العراقيين المتضررين في معظمهم من ربع قرن كارثي، وحمل عدد آخر منهم على بعض الكتاب العرب البارزين بسبب معاداته لمبدأ الحرب، مع ان هؤلاء كانوا طوال السنوات الماضية قد كتبوا ضد صدام حسين، اكثر بكثير واعنف بكثير مما كتب جميع الكويتيين، وعرضوا انفسهم لاخطار حقيقية لم يتعرض لها الصحافيون الكويتيون حتى في زمن الاحتلال.

واتمنى من كل قلبي، وبكل ما اكن للشرفاء والنبلاء في الكويت من محبة ورفقة وعمر، ان تكون الانتخابات المقبلة فرصة للتأمل في كل شيء. في حجم الكويت وفي دورها وفي موقفها العربي، وخصوصاً في صورتها الماضية، يوم كان حجمها المعنوي يوازي حجم اي دولة عربية رئيسية. وقد كنت هنا اول من دعا الى ما اسماه جاسم الخرافي «اعادة ترتيب البيت الكويتي». ليس لمعرفتي بتشابكات الحاضر، بل لمعرفتي بطاقات المستقبل وبالكفاءات التي تنتظر دورها وينتظرها الناس. هذه اول انتخابات كويتية بعد سقوط صدام حسين. وهي فرصة ذهبية للخروج من الحال العصبية التي تركها الاحتلال. ومن الخضوع للاقلام والعقول والنفوس المريضة التي برزت بعد الاحتلال. وفرصة لدعوة واستعادة صف طويل من الاوادم والخبرات والحكماء والعقول الذين كانت نسبتهم في الكويت مثار انتباه وتقدير. ليس مهماً من تنتخب الكويت، بل المهم ان تخرج من هذه المرحلة الانتقالية المتعثرة لكي تعود الى موقعها في اعتبار العرب وتقديرهم.