تواصل الولايات المتحدة الامريكية ادعاءها في كل الاوساط الدولية بأن خروجها الى الحرب في العراق، استهدف انقاذ اهله من جبروت الحكم الجائر القائم في بغداد، الذي مارسه صدام حسين و«عصبته»، اركان حكومته، لمدة زمنية تقترب من ثلاثة عقود ونصف، قتلوا خلالها «من شق وطرف» مئات الآلاف من المواطنين «تأبط شرا» بدون اتهامهم بجريمة وبدون حكم صادر من محكمة يدينهم، وكان ذلك سببا في تسمية الغزو الامريكي البريطاني «حرب تحرير الشعب العراقي».
استطاعت واشنطون، من بعد احتلالها للعراق، ان تقدم الدليل القاطع على صدق كلامها بالاعلان عن المقابر الجماعية عبر شاشات المحطات الفضائية، التي تثبت ارتكاب صدام حسين، العديد من جرائم المذابح البشرية فوق مختلف اقاليم العراق، ووظفت كل هذه الحقائق لتضفي شيئا من الشرعية على الحرب الامريكية البريطانية ضد العراق، بعد ان تعذر على واشنطون ولندن الحصول على الشرعية الدولية قبل الخروج الى الحرب من مجلس الامن، واشاعتا بين الناس في داخل وخارج العراق، بأن جنرالات من الجيش العراقي وآخرين من الحرس الجمهوري تعاونوا مع جنرالات في الجيشين الامريكي والبريطاني لاسقاط نظام صدام حسين في بغداد، ليدللوا على قناعة الشعب العراقي بحتمية التدخل الامريكي البريطاني في بلادهم لتحريرهم من النظام المعتدي عليهم. واثبات التعاون بين الجنرالات العراقيين وبين الجنرالات الامريكيين والبريطانيين يحتاج الى وثائق تؤكد هذه الصلة التعاونية، بين الهجوم على العراق والدفاع عنه، ضد نظام صدام حسين في بغداد.
يصعب الوصول الى هذه الوثائق الآن لأنها سجينة السرية التامة، ولن يفرج عنها قبل انقضاء مدة زمنية تطول أو تقصر، تحددها الجهات المسؤولة عن الوثائق في كل من واشنطون ولندن، مما يجعل التعاون بين الجنرالات العراقيين وبين الجنرالات الامريكيين والبريطانيين في الحرب ضد العراق، مجرد اشاعة لا يمكن اثباتها أو نفيها في الوقت الحاضر، كما صعب على الرئيس الامريكي جورج بوش ورئيس الوزارة البريطانية توني بلير، الكشف عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، التي كانت سببا مباشرا ومعلنا لخروجهما الى الحرب ضد العراق، على اساس ان وجودها في يد بغداد صدام حسين، يشكل خطرا ضد السلام العالمي.
اثار عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق البرلمانين، في واشنطون «الكونجرس» وفي لندن «مجلس العموم» واخذا يتساءلان عن اسباب ارسال الشباب من الاولاد والبنات الى حرب بعيدة عنهم، ولا علاقة لهم بها، ويطالبان بمعاقبة من اتخذ القرار بالحرب، خصوصا ان احكام الدستور في البلدين، امريكا وبريطانيا، تحرم الحرب الا في حالة الدفاع عن النفس عند العدوان على ارض الوطن، و«مطط» هذا الحكم الدستوري بهما بفتوى من فقهاء القانون الدستوري فيهما، جعلت من الدفاع عن النفس يشمل الدفاع عن المصالح العليا لهما، لتكتسب السلطة في واشنطون ولندن «مرونة» عند اتخاذ القرارات السياسية المتعلقة بالحرب.
ثورة الكونجرس على قرار الحرب ضد العراق، الذي اتخذه الرئيس جورج بوش، يزعزع احتمالات فوزه بالرئاسة مرة أخرى في الانتخابات القادمة التي ستبدأ مع بداية العام القادم 2004، وقد انبرى للدفاع عنه الدهلزة الصهيونية بتحريض من اسرائيل، التي يهمها بقاء الرئيس جورج بوش، في البيت الابيض لفترة رئاسة ثانية، لارتباط وجوده في السلطة بالسلام الذي تتطلع اليه والرامي الى فرض سيطرتها الكاملة على الشرق الاوسط.
قاد هذه الحملة المؤازرة للرئيس جورج بوش الكاتب الامريكي توماس فريدمان، الذي قال في افتتاحية صحيفة «النيويورك تايمز» قبل عشرة ايام، ان عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق لا ينقص من أهمية الحرب التي قامت بها امريكا ضد العراق، لأنها كانت السبب العلني لتبرير الحرب، وغير الحقيقي لها، وأوضح بأن هناك اربعة اسباب، واحد منها المعلن، والثلاثة الأخرى جوهرية. سبب حقيقي غير معلن يستهدف الانتقام من العرب لضربهم امريكا في يوم 11 سبتمبر عام 2001، وسبب مباشر يرمي الى تطوير الانظمة العربية حتى تستطيع الغاء الغضب العربي ضد الولايات المتحدة الامريكية، وسبب اخلاقي يسعى الى تدمير نظام صدام حسين الوحشي، الذي قتل مئات الآلاف من مواطنيه ومارس العدوان على جيرانه الذي تكرر لمرتين في ايران والكويت، لمنع استمرار هذا العدوان على شعبه وجيرانه، وسبب معلن يطالب بتدمير اسلحة الدمار الشامل والقضاء على استضافة العراق لتنظيم القاعدة. وأكد فريدمان ان الرئيس جورج بوش لم يجرؤ على تقديم الاسباب الثلاثة الحقيقي والمباشر والاخلاقي الى مجلس الامن عند طلبه الشرعية الدولية للحرب، واكتفى بتقديم السبب المعلن فقط المتعلق بأسلحة الدمار الشامل، ولكنه اعلن قبل الحرب بأن صدام حسين لا يمتلك اسلحة الدمار الشامل، وان بلاده لا تستضيف تنظيم القاعدة، ورتب على ذلك، عدم صحة مساءلة الرئيس جورج بوش عن عدم عثوره على هذه الاسلحة ذات الدمار الشامل في العراق.
قامت ثورة في داخل مجلس العموم ترمي الى تضييق الخناق على رئيس الوزارة بتهمة ارسال ابناء بريطانيا الى حرب غير مبررة وفاقدة للشرعية الدولية، ويوجه له تهمة تزييف الحقائق بالادعاء ان لدى العراق اسلحة الدمار الشامل، وكذلك تضليل الرأي العام البريطاني عن طريق التدليس، ويطالب بملاحقته قضائيا، فإذا نجح مجلس العموم في تقديمه الى القضاء، وصدر حكم المحكمة بادانته فقد منصبه رئيسا للوزارة، وقضي على حياته السياسية الى الأبد.
لا شك في ان الثورتين في داخل الكونجرس ومجلس العموم ضد الحرب في العراق، تزيدان من عدم شرعيتها باضافة تغييب الشرعية الدستورية الى غياب الشرعية الدولية، وتضاعفت مغبة الحرب على الشعب العراقي بلجوء القوات الامريكية الى العدوان عليه، مما يلغي السبب الاخلاقي للحرب الذي تحدث عنه توماس فريدمان، الرامي الى انقاذ شعب العراق وجيرانه من عدوان صدام حسين الوحشي، لأن جند امريكا قاموا بعدوان وحشي على الشعب العراقي يوم الاحد الماضي 13 يونيو عام 2003، فلقد بلغ عدد القتلى من العراقيين على يد امريكا 101، ووصل عدد المعتقلين الى أكثر من 400، اما الجرحى فلم تعلن امريكا عن عددهم غير ان المعايير العسكرية تصل بهم الى اضعاف مضاعفة من عدد القتلى.
تبرر امريكا قيامها بقتل بعض من الشعب العراقي بأنه ردة فعل على هجمات العراقيين على جندها، ولما وجدت ان اعتقال من ظنت انهم من فلول نظام صدام حسين وبقايا مؤيديه، لم يؤثر على استمرار الهجمات عليها، أمرت جندها بقتل من يهاجمهم، فقامت هذه المجزرة البشرية في العراق. وأعلن وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد بأن جنده في العراق سيواصلون القتل في الشعب العراقي طالما ظل من بينهم من يقوم بمهاجمة القوات الامريكية وانزال القتل بهم. وهذا الجور الامريكي يلغي حرب تحرير الشعب العراقي، ويفرض الاحتلال الامريكي للعراق.