معضلة الأميركيين في بغداد

TT

الأكيد انه لو اجري استفتاء في انحاء العراق اليوم لحظي الاميركيون بأغلبية الشعب معهم، لكن هذا لا يعني انهم بلا اعداء. سر شعبيتهم تكمن في كراهية العراقيين للنظام البائد، وكون الاميركيين الوحيدين في العالم الذين عملوا على التخلص منه.

هذه الشعبية قطعا ستتآكل مع مرور الوقت، عندما يتحول التحرير الى احتلال وتبقى البلاد بلا خدمات اساسية، وهذا يفسر استهداف المعارضة، من مخلفات النظام السابق، محطات الكهرباء في العاصمة بغداد. العلاقة بين الجانبين ستتآكل أيضا مع التحريض العربي ضدهم، ومع دخول الاصوليين المساجد واعتلاء المنابر، ستتآكل ايضا مع تسلل الفرق التابعة لايران التي تريد الحكم رغم انها رفضت ان تشارك في الحرب.

الحقيقة الاهم هي ان الناس ستمل من حكم الاجانب مهما حملوا معهم من اكياس الطحين وسمحوا لهم بحرية التظاهر ولعبوا الكرة مع اطفالهم. ونذكر الاميركيين بتجربة الاسرائيليين في جنوب لبنان، فقد صدمنا في حينها عندما استقبل الاهالي اللبنانيون القوات الغازية بالترحاب في الشوارع ورموا عليهم الرز والزهور لأنهم خلصوهم من المسلحين الفلسطينيين واللبنانيين الآخرين. وعندما استطاب الاسرائيليون المقام حاربهم الجنوبيون حتى طردوهم بقوة السلاح.

الاميركيون لمسوا شعبية حضورهم منذ اليوم الاول لدخولهم بغداد بعد ان اثبتوا انهم جاءوا فعلا لاقتلاع النظام الذي حفر كل هذه المقابر الجماعية في انحاء البلاد، انما صارت هذه الشعبية تتناقص لاسباب مختلفة.

لنقارن ما يحدث في العراق بما فعله الاميركيون في افغانستان. فالاميركيون ربما لم يحققوا نجاحا يستحق الاشادة به في افغانستان لكنهم اداروا شؤونها بطريقة اكثر عقلانية. اشركوا مع قواتهم قوات افغانية من التحالف الشمالي، ومنحوا الفرق المحلية الاخرى فرصة المشاركة، وابتعدت قوات التحالف عن الظهور الاستفزازي، وفي نفس الوقت شاركهم العالم بقوات رمزية بما فيهم الالمان. اما فشلهم في افغانستان فمرده استئناف الحرب الاهلية التي شب حريقها منذ عشرين سنة.

في بلاد الرافدين جلس العراقيون ينتظرون ماذا سيحدث بعد اليوم الاول لدخول بغداد. انتظروا ان يتم تعيين حكومة انتقالية مدنية او حكم عسكري او معا، انتظروا ان تجرى انتخابات محدودة. لا شيء من هذا حدث. والذي حدث لم يتوقعه احد.. غياب سياسي رافقه قراران احمقان بحل الجيش وطرد البعثيين، فحقق الاميركيون لانفسهم اعداء كانوا محايدين في الحرب ومستعدين للبقاء على نفس الحياد للفترة الانتقالية المقبلة.

الآن امام القوات المحتلة ان تتفرغ للعمل السياسي لا التركيز على البحث عن صدام وفلوله، ان تختار حكومة انتقالية جماعية ترضي الجزء الاكبر من الناس، لا جميعهم. عليها ان تعيد إحياء القوات المسلحة العراقية، والامنية ايضا، لتقوم هي بتفتيش الاحياء وجمع السلاح وضبط الامن، أي المهام التي لن يستطيع الاميركيون القيام بها دون مواجهات دامية. ثم تنتقل الى ترتيب الحل النهائي الموعود للعراق.