محققون من الشرق الأوسط

TT

عندما اخفق المحققون الاميركيون في استجواب بعض المتهمين في تفجيرات 11 سبتمبر، بالوسائل «العادية»، قال مسؤولون في الادارة انهم يفكرون في الاستعانة بـ«محققين من الشرق الاوسط»، لحمل المتهمين على الاقرار، والاعتراف. وكان المقصود بالشرق الاوسط يومها، خبراء اسرائيل في التعذيب، او الخبراء الاسرائيليين في سجن «الخيام» اللبناني الذي تولى فيه الجلادون اللبنانيون التنكيل بمواطنيهم من مناضلين ووطنيين وابطال.

لكن المؤسف ان القاسم الوحيد المشترك في الشرق الاوسط هو الوحشية المطلقة. وتستخدم كلمة وحشية في هذه الحالات لوصف اسوأ حالة يمكن ان يصل اليها الانسان. غير ان فيها الكثير من الاهانة للوحوش والكثير من التكريم للجلادين. لأن الوحش يمكن ان يقتل لكن لا يمكن ان يعذب. واول ما يفعل الوحش المفترس في ضحيته هو محاولة الاجهاز عليها لكي لا تتعذب بين مخالبه. وكل يوم تنكشف في العراق قصص ووثائق ومشاهد وافلام لا يمكن ان تقع في اي غابة من الغابات ولا في اي فيلم خيالي من افلام الرعب. وقد وقعت قناة «العربية» على بعض الافلام الوثائقية عن اعمال التعذيب في العراق، وسلمت الى الدائرة الفنية لاعدادها في برنامج يمكن ان يتقبله المشاهدون. ولكن الفنيين المكلفين بالتشذيب والدمج اصيبوا بالغثيان والمرض. والمخرجون لم يستطيعوا اكمال العمل من المرة الاولى او الثانية. وعاد الجميع الى بيوتهم وهم في حالة مؤرقة.

انسان لا يستطيع حتى ان يشاهد الصورة وآخر تكون مهنته الوحيدة في الحياة ان يجعل الموت بالنسبة الى الآخرين هو المطلب والمرتجى. ومن السخف ان نطلق على هذه الحالة اسم صدام حسين ثم نذهب الى النوم بارتياح. هذه حالة عربية شبه عامة وشبه شرعية، يجب ان تذهب الى المحاكمة. ويجب ان يحكم عليها بالزوال. وبدل توقيع معاهدات تبادل التفاح والبرتقال بين دول الوطن العربي الكبير، يجب ان تتنادى الدول العربية العظمى لتوقيع ميثاق شرف يمنع عليها القبول بمعاملة الانسان العربي بأقل مما يعطى للجرذ من حقوق وكرامة ورحمة ورأفة. وهذه الجامعة العربية التي تدور من مكان الى مكان لاسترضاء الغاضبين والمستنكفين يجب ان تلصق على ابواب الدول الاعضاء دستورا بشريا تسحب بموجبه عضوية كل نظام لا يمتثل بالحدود الدنيا من شرعة حقوق الجرذان.

كل ما قرأته وما سمعته وما شاهدته من افلام عن اميركا اللاتينية، يبدو مثل نزهة في بحيرة البجع، امام القليل القليل الذي نعرفه الآن، ليس عما يمكن ان يصل اليه الانسان العربي من عذاب، بل ما يمكن ان يصل اليه من تعذيب وهمجية وجريمة، ملفوفة كلها بورق من السيلوفان الدموي، ومشرّعها باسم الحفاظ على الوحدة والوطنية وسواها من الشعارات الرائعة التي دجّن المواطن العربي على كرهها وتكذيبها وتفضيل جميع الاوطان الاخرى على ارضه ووطنه، حيث تسرق ارضه باسم القانون وينتهك عرضه باسم القانون وتقلع اظافره باسم النظام وتضرب احشاؤه بالكهرباء باسم الزمالة، ثم يساق كالبهائم الى الشارع لكي يصفق من اجل بضعة ارغفة او ثمن قبضة من الحشيش تنسيه اين هو ولماذا ولد وكيف سيعيش بقية هذه السنوات التي لا يزال، مثل غيره، يسميها عمرا.