إسرائيل تريد إبادة المقاومة وليس هدنة معها

TT

لان تركيع الفلسطينيين هو الهدف من كل الخطط التي تقدم والضغوط التي تمارس، فمطلوب منا ان نقتنع بأن «حماس» هي المشكلة وليس الاحتلال، وحماس في هذه الرسالة رمز للمقاومة المسلحة التي تتمسك بها فصائل النضال الفلسطيني. اذ المطلوب هو ان تحشد السلطة الفلسطينية كل طاقاتها لابادة تلك الفصائل، التي اصبحت تشكل مصدر الم حقيقي يهدد امن اسرائيل، بل يهدد حلم المشروع الصهيوني برمته، الذي اراد لاسرائيل ان تصبح ملاذا آمنا لكل اليهود. والمرحلة الاولى من خارطة الطريق ستتكفل بهذه المهمة التي فشلت كل القوة العسكرية الاسرائيلية في انجازها، وليس ذلك سرا، لان الابواق الاسرائيلية تتحدث صراحة عن ضرورة البدء بالقضاء على المقاومة قبل الكلام في أي شيء اخر، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء اريل شارون، حين قال في المؤتمر الصحافي الذي عقده في 6/20 الحالي، انه لن يكون هناك أي تقدم في العملية السلمية ما لم تقم السلطة الفلسطينية بتدمير ما اسماه بـ«المنظمات الارهابية». وواضح في التصريحات الصادرة عن الادارة الامريكية، من الرئيس بوش الى وزير الخارجية كولن باول، ان الولايات المتحدة متضامنة مع اسرائيل في هذا الموقف، الذي ينطلق من شعار اغتيال المقاومة أولا!

هذا الموقف لا هو بريء ولا هو جديد، هو ليس بريئا للاسباب التي تعرف. ذلك ان اصرار الاسرائيليين على تجريد الفلسطينيين من احد أهم مصادر قوتهم كشرط وحيد لتحقيق السلام، لا يترك مجالا لافتراض حسن النية من أي باب، وهو ليس جديدا لان القادة الاسرائيليين لم يتركوا مناسبة الا وعملوا فيها على تحريض السلطة ضد حماس والجهاد بوجه اخص، ناهيك من أنهم لم يترددوا لحظة في تصفية كل من طالته أيديهم من نشطاء الحركتين.

يذكر المتابعون للشأن الفلسطيني انه في عام 96، قامت حماس بسلسلة من العمليات الاستشهادية، ردا على عملية اغتيال قائد جهازها العسكري يحيى عياش، فأرسل رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك شمعون بيريز مبعوثا خاصا الى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، هو يوسي جينوسار الرئيس السابق للمخابرات الداخلية (الشاباك) الذي امضى 33 عاما كمحقق مع الفلسطينيين ومشرفا على تعذيبهم. وقد حاول جينوسار استثمار اجواء مؤتمر قمة شرم الشيخ الذي عقد انذاك، وتخللته ضغوط شديدة على عرفات، ونقل اليه رسالة خلاصتها ان انقاذ مستقبل بيريز ومنع وصول نتنياهو الى السلطة اصبحا بيده شخصيا، ولذلك فان عليه ان يقنع الرأي العام الاسرائيلي بأنه الشريك المناسب لأي تسوية سياسية ولذلك يتعين على السلطة الفلسطينية ان تشن حربا لا هوادة فيها ضد حركة حماس ونشطائها، وسيكون مفيدا للغاية ان تدعي وسائل الاعلام واطقم الشبكات التلفزيونية لمعاينة عمليات الاعتقال والمداهمة، والمعاملة القاسية لحماس.

ونقل التلفزيون الاسرائيلي عن جينوسار قوله لعرفات: عليكم ان تقوموا بعمليات «ابداعية» من اجل اقناع الرأي العام الاسرائيلي انكم ستضربون حركة حماس بقوة، عليكم ان تحلقوا لحاهم ورؤوسهم! ومن اسف ان عرفات وقع في الفخ واستجاب للمطلب الاسرائيلي، وشن وقتذاك حملة تجاوزت الحدود التي طلبها مبعوث بيريز.

مطلب الاجهاز على المقاومة عبر عنه ايضا ايفي ايتام وزير الاسكان وزعيم حزب «المفدال» الديني المتطرف، الذي يمثل المستوطين وهو الجنرال الذي قاد لواء المشاة جفعاتي اثناء الانتفاضة الاولى، وادانته محكمة عسكرية في عام 88 بتحطيم عظام فلسطيني في مخيم البريج بغزة.

السيد ايتام هذا قال علنا انه لن يؤيد أي تسوية لا تبدأ بتحطيم جميع منظمات المقاومة الفلسطينية وفصل رأيه قائلا: اذا كان محمود عباس ومحمد دحلان يريدان ان نقبل بهما كشركاء فعليهما ان يقوما بنصب اعواد المشانق لعناصر حماس والجهاد الاسلامي، عليهما ان يقنعا بقية الفلسطينيين بأن عليهم ليس فقط ان يتوقفوا عن مقاومة اسرائيل، بل عليهما ان ينجحا في دمغ الوعي الجمعي للفلسطينيين بانطباع مفاده ان مسيرة مقاومتهم لاسرائيل كانت خسارة كبيرة».

بسبب الاصرار على فكرة التدمير الكامل، فان اجماع دوائر صنع القرار السياسي والامني في اسرائيل منعقد على فكرة رفض اي كلام عن هدنة بين حماس والسلطة، لادراكهم ان الهدنة تعني ابقاء البنية التحتية لحركات المقاومة على حالها، ولذلك فلم يكن مستغربا ما بثته الاذاعة الاسرائيلية باللغة العبرية، من ان هيئة اركان جيش الاحتلال وضعت عدة معايير لقياس مدى التزام السلطة الفلسطينية بمحاربة الارهاب، كما نصت «خارطة الطريق»، وهذه المعايير الأربعة هي:

ـ ضرورة الاعلان عن اعتبار حركات المقاومة الفلسطينية جميعها كيانات غير شرعية وفقا للقانون الفلسطيني. في هذا الصدد فانه يتعين على المجلس التشريعي الفلسطيني ان يصدر قانونا بهذا المضمون. وهناك تفرقة بين الفصائل الفلسطينية، بحيث ان هيئة الاركان طلبت الا يكون لحركة «حماس» والجهاد الاسلامي أي اطار سواء عسكري أو سياسي، اما بالنسبة لحركة فتح وجبهات اليسار، فان الحظر يسري على انشطتها العسكرية فقط.

الشروع في تدمير البنية التنظيمية لهذه الفصائل، وذلك عن طريق حملة اعتقالات واسعة لجميع منتسبي حركتي حماس والجهاد الاسلامي، ولنشطاء الاجهزة العسكرية في الحركات الاخرى، ويجب ان يتم اجراء التحقيق مع هؤلاء (تقدرهم اسرائيل بعدة الاف)، وتقديمهم للمحاكمات على أثر رجعي، واكثر من ذلك فان على السلطة الفلسطينية ان تستعين بالملفات الامنية التي اعدتها الاجهزة الامنية الصهيونية لهؤلاء النشطاء، وعمليات الاعتقال والمحاكمات يجب ان تؤدي بشكل نهائي الى تفكيك خلايا المقاومة، وفي حال قدمت اسرائيل ـ ما تراه ادلة ـ على ان هناك مزيداً من الخلايا، على اجهزة السلطة الفلسطينية المسارعة في تفكيكها واعتقال افرادها فورا، وهكذا تركز الاجهزة الامنية بشكل خاص على نشطاء الاجهزة العسكرية، سيما الذين كان لهم دور خاص في عمليات المقاومة، بالذات في مجال تطوير الصناعات الحربية المتواضعة للمقاومة، خصوصا القذائف والصواريخ، وبعد هذا كله على الاجهزة الامنية ان تحول ملفات المعتقلين للاسرائيليين بواسطة فريق المراقبين الامريكيين، الى جانب نزع الاسلحة من حركات المقاومة تحت اشراف المراقبين الامريكيين الذين يقومون بالطبع بنقل ملاحظاتهم للحكومة الاسرائيلية.

القضاء على البنية التحتية المدنية لحركات المقاومة، وهذا البند مقصود به حركة حماس، التي تصفها الاجهزة الامنية الاسرائيلية بانها حركة ذات امتداد جماهيري واسع وتملك مؤسسات مدنية تكرس ارتباط الجمهور الفلسطيني بها، لذا فان اسرائيل تطلب اغلاق شبكات المدارس ورياض الاطفال التي تدعي انها تدار من قبل الحركة والمقربين منها، الى جانب اغلاق جميع المؤسسات الصحية التي تدعي ان الحركة تديرها، فضلا عن اغلاق جميع المؤسسات الاهلية والاجتماعية مثل الجمعيات الخيرية، لكن المؤسسة الامنية الصهيونية تركز بشكل خاص على الجامعة الاسلامية في غزة، التي تعتبرها حاضنة لتخريج كوادر المقاومة، وترى ضرورة ان تقوم السلطة بالسيطرة على الجامعة وتغير من فلسفتها من الاساس. مع العلم انه حسب دراسة فلسطينية حديثة تبين ان اكثر من مائتي الف مواطن فلسطيني يتلقون مساعدات من المؤسسات الانسانية والصحية والتعليمية الاسلامية في قطاع غزة الذي اكثر من 65% عن سكانه يعيشون تحت خط الفقر.

الى جانب كل ذلك هناك المطالب بمحاربة مظاهر التحريض، وهنا تقترح اسرائيل ان يتم تشكيل لجنة ثلاثية امريكية ـ فلسطينية ـ اسرائيلية تقوم بمراقبة مناهج التدريس وما تبثه وتنشره وسائل الاعلام الفلسطينية، فضلا عن الدروس والخطب الدينية في المساجد بحيث تخلو من التحريض ضد اسرائيل أو اليهود.

اللافت للنظر في هذا السياق ان بعض المعلقين الاسرائيليين اعتبروا الشروط التي وضعتها المؤسسة الامنية والسياسية في الدولة العبرية مجرد تعجيز يهدف الى ابقاء الاوضاع على حالها، مع التضحية بمزيد من الدماء اليهودية. في هذا الصدد كتب الجنرال المتقاعد جابي اوفير قائلا: من المؤسف اننا نطرح شروطا على الجانب الفلسطيني، وكأننا في نهاية مواجهة حققنا فيها الانتصار. وذلك يخالف الواقع. وبدلا من ان يتواصل سفك الدماء اليهودية، فمن الافضل للاسرائيليين ان تصل السلطة الفلسطينية وحماس الى اتفاق الى اعلان الهدنة. كما استفزت الشروط الاسرائيلية البروفيسور اوري بار ـ يوسف، صاحب الدراسات العديدة حول المنطلقات الاستراتيجية للدولة العبرية، فكتب محذرا شارون وقائلا: للاسف ان التاريخ يعيد نفسه، وها هو المسلك المرعب الذي نسلكه نحو الهلاك باختيارنا، علينا ان نتواضع من اجل مستقبلنا في هذه البقعة من العالم، علينا ان نعترف ان المشكلة ليست في حركة «حماس» أو غيرها من الحركات، بل في وجود شعب يرفض القيد والاحتلال ، مهما حاولنا من فرض تسويات غير عادلة، فلن يكتب لمسعانا النجاح.

وبعد ان استعرض بار ـ يوسف قصص الدول التي سادت وبادت اكد على ان هناك الكثير من الدلائل على ان اسرائيل مرشحة لذلك المآل.