إسرائيل تحطم تمثال الحرية

TT

وزير الخارجية الاميركي والادارة الاميركية يحرضان اوروبا والدول العربية ضد حركة حماس. لأن حماس حسب قولهم تعارض عملية السلام وترفض خريطة الطريق.

لحركة حماس آراؤها ومواقفها السياسية والميدانية. وهذا صحيح. ولكن السؤال الذي يثار هنا في وجه الادارة الاميركية المنحازة لاسرائيل هو:

لماذا لا تحرض الادارة الاميركية العالم بنفس المقدار ضد المجموعات التي ترفض خريطة الطريق، لا بل تطالب بترحيل الفلسطينيين عن ارضهم والاستيلاء عليها وبناء مستعمرات على تلك الاراضي المفرغة من اصحابها بالقوة والمصادرة بالسلاح الاميركي الذي يستخدمه الجيش الاسرائيلي. وفوق هذا تتحدى الادارة الاميركية ان تجنح قليلا نحو العدالة في الموقف وان تحرض تلك الفئات والاحزاب الاسرائيلية.

الحقيقة الواضحة هي ان حماس ليست السلطة الفلسطينية، ولكن الاحزاب والفئات الاسرائيلية التي ترفض خريطة الطريق وتحرض على ترحيل الشعب الفلسطيني من ارضه بالقوة هي التي تشكل الجسم الاساسي للحكومة الاسرائيلية. فنحن لا نتكلم هنا عن احزاب اسرائيلية او منظمات اسرائيلية خارج اطار الحكومة رغم وجود تنظيمات ارهابية يهودية خارج اطار الحكومة، لم نسمع الادارة الاميركية تدلي بتعليق واحد على الجرائم التي ترتكبها هذه المنظمات اليهودية ضد المدنيين الفلسطينيين. فلماذا تتصرف الادارة الاميركية حتى الآن بانحياز اعمى لاسرائيل. ان هذا الانحياز يجلب للولايات المتحدة كوارث ومخاسر لا شك ان الشعب الاميركي لا يريدها ويتمنى الا تحصل. اذ ان هذه المواقف هي بشكل محدد ومختصر ـ منافية لقرارات مجلس الامن وتساند الاحتلال. وهو احتلال مضى عليه ستة وثلاثون عاما دون ان يتحرك العالم لانهائه. والمواقف المنحازة هذه تضر بمصالح الولايات المتحدة الكبيرة في المنطقة، وكذلك بمصالح اصدقاء اميركا من الدول العربية ذات الثروات الطبيعية الهائلة التي تحتاجها الولايات المتحدة وتشكل لها مصلحة حيوية استراتيجية.

السيدة كونداليزا رايس سوف تصل للمنطقة في الثامن والعشرين من شهر حزيران الحالي، وزيارتها تشكل مزيدا من الدفع الاميركي للشروع في تطبيق خريطة الطريق. وهذا ايجابي ومرحب به. وتشير المعلومات المتوفرة لدي ان جورج تينيت رئيس «سي آي ايه» CIA سوف يصل في النصف الاول من تموز للمنطقة لنفس الغاية. وهذا ايضا ايجابي. لكن المهم هنا هو ان تفتح الادارة الاميركية عيونها وان تستوعب خداع حكومة اسرائيل لها ومماطلتها وتأجيلها تطبيق خريطة الطريق، ظنا منها ان بداية الحملة الانتخابية الاميركية سوف تطفئ الضوء على عملية السلام، لا بل على الشرق الاوسط برمته. معلوماتي المؤكدة من مصادر اسرائيلية (نقدية) ومطلعة تفيد بان أرئيل شارون اصدر تعليماته لفريق من مساعديه باعداد تقرير سيقدم لكونداليزا رايس (ليبكي على كتفها) بسبب المعارضة الشديدة التي يلقاها موقفه اللفظي (المؤيد لفظا لخريطة الطريق). لكن هذه المعلومة ليست الاهم. فالمعلومة الاهم هي ان شارون قام بزيارات خاطفة لبعض المستوطنات والتقى بالحاخامات الذين يتحكمون كليا بالمستوطنات التي يقطنها اليهود المتدينون، والذين يعتبرون ارض الضفة الغربية.. ارض اسرائيل منحهم اياها الله. وانه طلب من الحاخامات اصدار بيان (ليتمكن من استخدامه مع الاميركان) ينتقدهم وينتقد خريطة الطريق ويعتبرها منافية للتوراة (وهذا نوع من التفكير الخطير لشارون). كذلك طلب من المستوطنين ان يقاوموا تفكيك تلك النقاط التي يسميها (غير قانونية) وهذ خطة مراوغة تستهدف ذر الرماد في العيون، والايحاء لمسؤولي الادارة الاميركية بأنه يعاني من وضع داخلي معقد لا يمكنه من السير قدما في تنفيذ خريطة الطريق بالشكل والسرعة التي يريدها الرئيس جورج بوش. والحقيقة هي ان شارون لا يريد في «عهده» ان تقتلع المستوطنات لانها من انتاجه وتنفيذ لافكاره. ليس هذا فحسب، بل ان شارون يسعى جاهدا الآن مع كبار المتمولين اليهود في العالم لتمويل جلب وتوطين مليون يهودي من اميركا اللاتينية (خاصة الارجنتين) كي تصبح الضفة الغربية ذات توازن سكاني بين الفلسطينيين واليهود الاسرائيليين.

ولا شك ان بعض الناس شاهدوا ما شاهدته أنا بأم عيني عندما بث شريط فيدو التقطته مستعمرة في احدى المستعمرات قرب رام الله للقاء المستعمرين بشارون الذي زارهم ليطمئنهم ويشد ازرهم. لقد صور الشريط دون علم شارون وعبر كاميرا للهواة وليست للمحترفين. فقد سألته احدى المستوطنات «اذا كنت جادا لماذا لا تفعل هنا ما فعلته بهم في صبرا وشاتيلا؟». وكان جوابه ان هز برأسه واشار بيده كأنه يقول لها اصبري قليلا فسأفعل ذلك. هذا هو شارون. وهذا ما شاهدته بأم عيني.

والسؤال: لماذا تتغافل الادارة الاميركية عن كل هذا، ولماذا لا تضع حدا لكل هذا الاضطهاد الانساني. ولماذا لا تصر على تطبيق القرارات والشرائع الدولية، وكيف يمكن للادارة الاميركية ان تتصور لحظة انها ستكون بأمان في الشرق الاوسط ما لم تتبع مبادئها الداعية للحرية والاستقلال والكرامة الانسانية؟!

ان مصداقية الولايات المتحدة هي الآن فعلا على المحك النهائي. فالرئيس بوش يتسلم تقارير حقيقية حول ما يجري في العراق ويعلم ان آسيا والشرق الاوسط والدول الاسلامية والعربية لا يمكن في نهاية الامر ان تقبل ببقاء احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية والعربية، واستمرار تأييد الولايات المتحدة لها مخالفة بذلك مبادئ ودستور الولايات المتحدة وكل الاعراف والشرائع والقرارات الدولية بما فيها تلك التي صاغتها الولايات المتحدة ذاتها. لقد اكتوى الناس بنار الاحتلال ويمكن ان يكون خيارهم هو العبودية. والشعوب تريد الحرية والاستقلال. لقد ولد البشر احرارا لا ليستعبدوا، بل ليبقوا احرارا.

فلماذا يريد الرئيس بوش والادارة الاميركية ان تستعبد اسرائيل الشعب الفلسطيني وشعوبا اخرى. هذه الشعوب ستقاوم، ولكن ما لا تستوعبه الادارة الاميركية الآن (ونرجو ان تستوعبه سريعا) هو انها تستخدم من قبل شارون، للاضرار بمصالح الولايات المتحدة ومبادئها العظيمة، وربما لتحطيم تمثال الحرية الذي يواجه القادمين عبر المحيط الى اميركا بلد الحرية.