حادث على الحدود السورية ـ العراقية

TT

تجنب وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد الرد بالتفصيل على قضية الحادث الذي جرى الاسبوع الماضي على «الحدود السورية ـ العراقية»، وقال ان تلك الحدود ليست «واضحة»، وان الحادث وقع اثناء الليل وقرب الفجر، ورفض الدخول في «تفاصيل عسكرية» خصوصا عما اذا كانت وزارته اعطت الاذن للقوات الاميركية باطلاق النار على قافلة من السيارات المتجهة، اثناء منع التجول، الى سوريا. واللافت ان رامسفيلد قال، انه ليس هناك من سبب يجعله يعتقد بأن صدام حسين او واحدا من ابنائه كان في تلك القافلة، وهذا تراجع كامل عما قاله سابقا مسؤولون مخولون في وزارة الدفاع الاميركية، اذ كان السبب الاساسي لقصف تلك القافلة هو وجود قادة عراقيين سابقين فيها.

هناك الكثير من الغموض والتساؤلات تحيط بهذا الحادث. اولا تحفظ وزارة الدفاع عليه لايام، ثم اكتشاف انها، كانت قافلة لمهربي قطعان الغنم، وهذا يشكك بصحة المعلومات الامنية التي تحصل عليها القوات الاميركية على الارض. ومع رفض رامسفيلد القول ما اذا كان الهجوم وقع ضمن الاراضي العراقية او داخل الاراضي السورية، فان الكولونيل غاري كيل قال: «حتى الآن لم نتأكد بعد». وهذا يعني ان الحادث وقع داخل الاراضي السورية، وتؤكد معلومات واشنطن ان هذا ما حصل فعلا، حيث جرح ثلاثة من حرس الحدود السوريين (يعالجون الآن لدى الاميركيين)، واعتقل خمسة آخرون، لم يتم تسليمهم بعد الى سوريا.

يحيط الغموض ايضا بالموقف السوري، فحتى مساء الثلاثاء، ورغم مرور عدة ايام على الحادث، لم تشر سوريا اطلاقا اليه، وقد يكون ذلك لرغبتها في التعتيم عليه، خصوصا انها اعتادت الرد بسرعة لا سيما على اتهامات وزير الخارجية الاميركي كولن باول بأن معالجتها لمكاتب المنظمات الفلسطينية المعارضة، غير كافية.

قد تكون سوريا رأت، ان من مصلحتها عدم تضخيم ما يبدو انه حادث منعزل، فهي لا تريد توتير العلاقات اكثر مع واشنطن في كل ما يتعلق بالمسؤولين العراقيين السابقين، خصوصا انها اكدت انها تمنع دخولهم، لا بل تعيد الذين يحاولون العبور.

هناك احتمال آخر لرباطة الجأش السورية الاستثنائية هذه، وهو ان لدى الكونغرس الاميركي مسودة لقرار يدعو الى فرض المزيد من العقوبات على سوريا، وقد يعاد احياؤه في شهر ايلول (سبتمبر) المقبل، فشعرت دمشق بان الوقت الآن غير مناسب الا لتهدئة الاوضاع.

قد تضطر دمشق الآن الى التصرف بطريقة مختلفة خاصة ان الكثير من الصحف البريطانية ادانت تصرف واشنطن، لان قتل الناس بطريقة عشوائية لا يؤدي الى جلب صدام حسين للعدالة، كما انه لا يحق لقوات الاحتلال قتل المسؤولين السابقين عن عمد او خرق سيادة دولة مجاورة للعراق (وهذا ما كان متوقعا من الصحف السورية الحكومية)، كما ان الصحافيين الاميركيين «لوعوا» رامسفيلد في اسئلتهم عن هذا الحادث.

قد تشعر دمشق، انها بابقائها التعتيم على هذا الخبر تخفف من الاحراج الذي تشعر به اميركا، اذا وُجد، لان هناك فرقا كبيرا بين ملاحقة صدام حسين وقتل مهربين عاديين، وهي بالتالي تهدئ من روع واشنطن!

انما هذا لا يعني ان الحادث قد لا يتكرر، ويمكن ان تُقدم واشنطن على احداث اخرى «منعزلة»، لان رسم الشرق الاوسط الجديد بمفاهيم جديدة، لا يستثني اي دولة.