ما بعد الاتفاق اليمني ـ السعودي

TT

كما لو كان شيئا خارجا من الحلم عندما نرى الجانبين اليمني والسعودي يتحدثان عن موضوعات مختلفة عما اعتدنا سماعه عشرات السنين الماضية، عن ترتيب العلاقات العمالية والاستثمارية وتفعيل ما سبق أن طُرح من قبل، اضافة الى ما جرى انجازه من تخطيط ثم ترسيم حدودي من خلال شركة، اتفق الطرفان عليها ووضعا برنامجا لتنفيذ بقية بنود الاتفاق، بما يمثله من تفاصيل عسكرية وسكانية وادارية وقانونية. لا شك انه كان اهم انجاز سياسي في قضايا الحدود العربية حتى يومنا هذا من حيث تعقيد القضية وتاريخها وطولها جغرافياً ونتائجها.

وقد لا يبدو الأمر مثيرا للمتابعة لان الاتفاق جاء باردا بلا احتفالات، والسبب هو أن الخلاف كان محاطا دائما، او غالبا، بصمت على امل ان يأتي اليوم المناسب لحله وديا. كانت هناك أزمة مزمنة لكنها لم تتطور قط الى نزاع كبير كما يحدث عادة في المشاكل الحدودية المتشابكة كهذه. لكن الاتفاق غير عادي والنتائج غير عادية وفي تصوري ان البلدين، من خلال لجان التنسيق التي وضعت لتفعيل ما تم الاتفاق عليه، ليس فقط في الترسيم ووضع العلامات، بل ايضا في دفع التعاون اقتصاديا وغيره، سيحققان تكاملا بمباركة الحكومتين. لذا فالامر يبدو مشجعا ونحن نرى الحركة تنمو على جانبي الحدود ويطرح الحديث عن الاعمال المشتركة، بما فيها استعداد السعودية للمساهمة في انتاج النفط اليمني بحكم تجربتها الطويلة وامتلاكها واحدة من اكبر شركات البترول في العالم. وشمل الحديث ايضا تسهيل حركة العمالة اليمنية التي هي موجودة الآن وتحتاج الى اعتبارها شبه عمالة محلية كما ظهر في اعلان نتائج اجتماع المدينة المنورة بين الامير سلطان بن عبد العزيز والدكتور عبد الكريم الارياني رئيس الحكومة اليمني في لجنة التنسيق المشتركة.

ولو قدر لهذه الرغبة في التعاون ان تسير بنفس التفاؤل الذي نرجوه فانها ستقدم حلولا حقيقية للبلدين سياسية واقتصادية. فنجاح اليمن واستقراره فعليا هو بمثابة ضمان لنجاح واستقرار الجارة الشمالية، كما ان مشاركة صنعاء وتضامنها مع الرياض سيصنع تكتلا يمثل نحو اربعين مليون نسمة وامتدادا جغرافيا هائلا. فعندما كان اليمن شطرين ظل مصدرا لعدم الاستقرار للمنطقة كلها وعندما ورث البلد مشاكل الشطرين مع جارته السعودية تضاعفت الحسابات السياسية وصارت متضادة. كانت كلها تتمحور سياسيا ونفسيا حول مسألة الحدود حتى حسمت في ظرف فاجأ الجميع.

مع نزع الشوكة الدامية صار للعلاقات ان تسير قدماً ولو بخطى ثقيلة، المهم ان تمضي قدما الى الامام. ستلمس السعودية في حضور مليون يمني يعملون لديها اقل كلفة من عمالة اجنبية تأتي من بعيد. وسيجد البلدان ان فتح الحدود اهون وارخص من حراستها. واثبات هذا القول يتطلب صبرا على بطء الوقت فعجلة الحركة لن تكون بنفس القدر من سرعة الحبر وحماس الطرفين.