في وداع المسز أولبرايت آند كو!

TT

آه، كم سنفتقد المسز اولبرايت، كم ستفتقدها الدبلوماسية الهادئة. كم ستفتقدها الدبلوماسية الحيية. كم ستفتقدها الصياغة الدقيقة الحريصة على المشاعر. كم سيفتقدها التواضع. آه كم سنفتقد المسز اولبرايت.

كم سنفتقد تلك القبعات التي كانت تنزل بها من طائرة السياسة الخارجية الاميركية. قبعات التكساس السوداء الواسعة، التي تذكرنا بفيلم الغرب الاميركي الشهير «كالاماتي جين» او «جين المصيبة» التي تشاجر كل من حولها وتخانق كل من تقابل وتصرخ في كل من تصادف. آه كم سنفتقد المسز اولبرايت. مادلين للاصدقاء، فقط في واشنطن.

كم سنفتقد المسز اولبرايت. كم سيفتقدها بطرس غالي الذي رمته من الطابق الثامن والثلاثين واهالت عليه الحجارة ثم قرأت على العالم نبذة عن منجزاته. اف. كدنا نبكي لشدة ما كانت مؤثرة. وكم سيفتقدها فيدل كاسترو الذي سمع للمرة الاولى امرأة تقول انه من دون فحولة. ولن استخدم تعبير المسز اولبرايت الحرفي، مطبوعاً، مهما كلف الامر. حتى بالاسبانية كما فعلت هي، مؤكدة للعالم معرفتها باللغات والاصول والآداب في مخاطبة الرؤساء خصوصاً الخصوم.

كانت جرأة المسز اولبرايت تلك، سبباً في ترقيتها من سفيرة لدى هيئة الامم الى وزيرة للخارجية. فقد افاد النعت الذي استخدمته في وصف كاسترو، المستر كلينتون في معركة التجديد في اوساط المنفيين الكوبيين في فلوريدا. وهو مسحوق سحري كان يجب ان يلجأ اليه نائبه المستر غور لكي يوفر علينا وعليكم مشقة الاسابيع الخمسية الماضية. كم سنفتقد المسز اولبرايت.

كم سيفتقدها الرفيق فلاديمير بريماكوف الذي شدته من يده في نهاية احدى جولات المحادثات الى جانبها في مؤتمر صحافي يتابعه كل العالم، وحملته على ان يعلن، في حضورها وقبل العودة الى واشنطن، ان روسيا قبلت التخلي عن امتيازات الجوار في اوروبا الشرقية، وان في امكان بولونيا وكل من يشاء الانضمام الى الحلف الاطلسي. ولن ترفع روسيا اصبعاً بعد اليوم. لا خنصراً ولا بنصراً ولا سبابة. فقط الابهام! كم سيفتقد هذا العالم كل طاقم المسز اولبرايت في وزارة الخارجية: المستر انديك الذي بسببه دعت الموظفين الى «المزيد من الاحتراس» داخل المكاتب. والمستر ريتشارد هولبروك الذي يروي الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش انه كان يستعيذ كلما طلب الاجتماع اليه. وذات مرة دعته سفيرة اميركا في باريس، باميلا هاريمان، الى الغداء فلما وصل، وجد المستر هولبروك في المرصاد. وادرك الفخ بعد فوات الاوان. لقد كان عليه ان يصغي مرة اخرى للمستر هولبروك، بكل كياسته ولطفه وادبه ومفهومه للعمل الدبلوماسي في هذا العصر! كم سنفتقد المسز اولبرايت ومنجزاتها الدبلوماسية في كل مكان. كل مكان، خصوصاً في الشرق الاوسط، حيث قالت مرة، عليهما ان يتفقا وبعدها يبلغاننا، وكانت تقصد بالمثنى، ياسر عرفات وبنيامين نتانياهو. آه ما كان اسهل الاتفاق بينهما. آه كم سنفتقد المسز اولبرايت التي اوعزت قبيل زيارة لها الى مصر الى من يبلغ السلطات ان المرأة الحديدية لا تتحمل قسوة رسامي الكاريكاتور الذين يبحثون بكل خبث عن نتواءات الناس وتضاريسها والاشكال المربعة وقبعات الغرب الاميركي. او الغرب الاوسترالي.

كم سنفتقد المسز اولبرايت واسلوبها في تلقين الشعوب والامم، وتلطفها احياناً بتأدية الرقصات الآسيوية التي تجيدها عادة الاجسام المعانية من المجاعة في كوريا الشمالية. لقد افتقد العالم اسلوباً فريداً في العمل الديبلوماسي، خاليا من كل القواعد الدبلوماسية المتفق والمتعارف عليها. وفقد ايضاً سيدة في عمر الجدات ممتلئة بالعافية وكل ظواهرها، كانت تصر على عرض المهارة الاميركية في تصميم القبعات التكساسية وسواها. كم سنفتقد المسز اولبرايت آند كو.