وقف إطلاق نار

TT

اعلان وقف اطلاق نار بين طرفين متقاتلين هو امر تعرفه كل الحروب على مر التاريخ. وهو يعني ان طرفا يعترف بوجود الطرف الآخر، ولكنه يعترف ايضا انه عاجز عن هزيمته. والحال لا يختلف في مشروع الهدنة الاسرائيلية ـ الفلسطينية التي تعني في احد جوانبها عجز اسرائيل عن الحسم العسكري، لأن من يستطيع ان يهزم خصمه بشكل نهائي وبالضربة القاضية لا يقدم على وقف مؤقت لاطلاق نار.

علتنا مع بعض المتطرفين الفلسطينيين انهم يعتبرون كل فعل سياسي خيانة وطنية، وهم يعتقدون ان هناك ثوابت ومسلمات مزعومة في الصراع التاريخي الدامي ضد المشروع الصهيوني. واسرائيل على مر العصور استثمرت واستفادت من حملة شعارات المسلمات والثوابت الذين كانوا يرفضون كل بادرة ايجابية ربما تعطيهم فرصة لالتقاط انفاسهم والتفكير في وسائل جديدة للصراع. رفضوا مشروع التقسيم وهم في حالة ضعف فاستفادت اسرائيل، ورفضوا مشروع الدولتين كما طرح بعد حرب اكتوبر وبشروط افضل من شروط اليوم فكانت النتيجة كارثة، وهم يريدون اليوم قتل كل جهود السلام، عبر الحديث عن المسلمات والمؤامرات المزعومة، وهم بدلا من ان يقرأوا «خريطة الطريق» ويضعوا ملاحظاتهم السلبية عليها، ويضعوا شروطا لتحسين وضعهم التفاوضي، يرفضون المبادرة «من حيث المبدأ» وباعتبارها مؤامرة اميركية ـ اسرائيلية ليس إلا.

مشروع الهدنة المؤقتة هو عمل سياسي رفيع، والوقف المؤقت لاطلاق النار الذي يستهدف تحقيق شروط سياسية ولوجيستية هو امر طبيعي ومشروع في كل الصراعات وليس مجرد خيانة ومؤامرة. والحديث الممل عن ان ما نعجز عنه اليوم نتركه للاجيال القادمة هو حديث إفك يقوي الاسرائيليين ويضعف الفلسطينيين، وهو ايضا تخل عن المسؤوليات الوطنية تجاه مأساة الشعب الفلسطيني.

شكّل العرب جبهة الصمود والتصدي فلم يصمد احد ولم يتصد احد، لأن المسألة كانت شعارات على الورق وليس عملا على ارض الواقع، وشكلوا جبهة الرفض التي عادت لقبول كل شيء، ولقد حان الوقت لأن نمارس الصراع العنيف ضمن افق وسقف سياسي حتى لا نستمر في تكرار الاخطاء.