حان وقت رحيل روبرت موغابي

TT

تواصل معي اخيرا رجل شجاع، ووصف لي كيف باتت صعوبة العيش في بلده لا تطاق. وأوضح لي بيوس إنكوبي، أسقف كنيسة الروم الكاثوليك، في منطقة بلو وايو بزمبابوي بقوله: «هناك حالة خوف شديدة في البلد، خوف من العواقب المجهولة والمعروفة إذا ما فعلنا شيئا أو تحدثنا بصراحة».

مع كل ذلك تحدث الأسقف إنكوبي بلا خوف حول أوضاع حقوق الإنسان المؤلمة في زيمبابوي، وهو يتعرض يوميا للتهديد بالقبض عليه أو بما هو أسوأ.

بالنسبة لمئات الالاف من أبناء زيمبابوي، فإن الأسوأ قد حدث. إذ أن ملايين الشعب يواجهون المجاعة لأن قطاع الزراعة، الذي كان مزدهرا ذات يوم في البلاد، تعرض للانهيار خلال العام الماضي، بعد قرار الرئيس روبرت موغابي مصادرة الحقول المملوكة لأشخاص، بحجة تمكين الفقراء السود من الاستفادة منها.

لكن برنامجه المثير للسخرية، والمتعلق «بإصلاح الأراضي»، أفاد بدرجة رئيسية أجراء الحزب ومتنفذيه، ولم يفد الفلاحين الذين لا أرض لهم. ونتيجة لذلك، ها هي معظم أراضي زيمبابوي الزراعية الأكثر إنتاجا تخضع اليوم للموالين لحزب «زانو» الحاكم ولضباط عسكريين، أو لزوجاتهم وأصدقائهم.

الأسوأ من ذلك، ان اقتصاد زيمبابوي بأسره أوشك على الانهيار. فسوء الإدارة الحكومية المحفوف بالمخاطر، والفساد غير الخاضع للمساءلة، جعلا مستوى التضخم في البلاد يصل إلى قرابة 300 بالمائة، كما بلغت نسبة البطالة 70 بالمائة، واتسعت حدة شحة الطعام والوقود وغيرهما من الضروريات الأساسية.

وهكذا فقد لا يتعجب المرء لمطلب أبناء زيمبابوي الخاص بالتحول السياسي، أو لحقيقة ان على موغابي أن يعتمد على تشديد حدة العنف والتلاعب بالانتخابات لكي يحافظ على بقائه في السلطة؟

يوم السادس من شهر يونيو (حزيران) اعتقلت الشرطة مرة أخرى مورغان سيفانغيراي، أشد معارضي موغابي البارزين، وشهرت به في قاعة محكمة، مكبل الأيادي والأرجل، قبل أن يطلق سراحه بكفالة يوم 20 من الشهر ذاته. أما ذنبه فكان الدعوة للتوقف عن العمل وللتظاهر تعبيرا عن الاحتجاج على المعاناة الاقتصادية وعلى التعسف السياسي في بلده.

وكما هو حال زعيمة المعارضة الشجاعة في بورما، أونغ سان سو كي، يتبنى سيفانغيراي نهج النضال السلمي ضد نظام لا يرحم. وكما تفعل عصابة بورما الحاكمة، فإن موغابي وزملاءه في المكتب السياسي للحزب، يتمتعون بهيمنة مطلقة على السلطة، دون تمتعهم بالشرعية أو بالسلطة الأخلاقية.

على المدى الطويل، لا شك ان موغابي وأنصاره سيخسرون، وسيذهبون هم وسجلهم الملطخ إلى المجهول. لكن متى سيحدث ذلك ؟ وكم من أبناء زيمبابوي الطيبين سيتوجب عليهم فقدان وظائفهم ومنازلهم، أو حتى حياتهم، قبل انقضاء أمد سوء إدارة موغابي العنيف؟

لقد فرضت الولايات المتحدة ـ والاتحاد الأوروبي ـ حظرا على منح قادة زيمبابوي تأشيرات دخول، وجمدت أرصدتهم في الخارج. وقررنا إيقاف جميع أشكال الدعم الرسمي لحكومة زيمبابوي. كما طلبنا من دول أخرى أن تفعل ذلك.

سنواصل الحديث بقوة مدافعين عن حقوق الإنسان وسلطة القانون. وسنواصل تقديم الدعم المباشر، وبأشكال مختلفة عديدة ، لرجال ونساء زيمبابوي الشجعان الذين يقاومون الطغيان.

لكن لا يبدو ان جهودنا ستثمر بشكل عاجل دون أن يكون لجيران زيمبابوي علاقة بالأمر. فاهتمام جنوب أفريقيا وغيرها من الدول الأفريقية بما يحدث في زيمبابوي، بات يتعاظم، غير انه يتوجب عليها أن تلعب دورا أقوى وأكثر استدامة، يعكس بشكل تام مدى آنية أزمة زيمبابوي، وهي تستطيع ان تفعل ذلك.

وإذا لم يفعل قادة القارة المزيد لإقناع موغابي باحترام سلطة القانون، وبالبدء بحوار مع المعارضة السياسية، فإنه ومحسوبيه سيدفعون زيمبابوي نحو مزيد من التدهور حتى يذهب كل شيء، كما ان تفجر الاوضاع في زيمبابوي سيحمل تهديدا متواصلا للاستقرار والرخاء في المنطقة.

على ان ذلك لا يعني عدم وجود مخرج من الأزمة. فالحزب الحاكم وحزب المعارضة يمكنهما معها تشريع التعديلات الدستورية التي تسمح بالتحول. ومع ذهاب الرئيس، وتمكين حكومة انتقالية من السلطة، وتحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة، يمكن لأبناء زيمبابوي، على اختلاف مشاربهم، كما أعتقد، أن يتآلفوا ويبدأوا عملية إعادة بناء بلدهم.

إذا ما حدث هذا، ستبادر الولايات المتحدة، على الفور، بتقديم دعم سخي لإعادة تفعيل مؤسسات زيمبابوي السياسية والاقتصادية، حتى قبل إجراء الانتخابات. وأنا واثق من أن مانحين آخرين سيكونون خلفنا.

بإطلاعهم على هذا قد يلجأ موغابي وأعوانه للبكاء، و«الابتزاز». لكن علينا أن لا نصغي اليهم. فزمان رحيلهم أتى وولى. وكما قال الأسقف إنكوبي: «من الصعب ان تكون الأوضاع في بلدنا أسوأ».

بمثابرة أبناء زيمبابوي الشجعان، وبالتزام جيرانهم المعزز، وبدعم متين من المجتمع الدولي، سيتسنى لنا إنقاذ شعب زيمبابوي. وهذا هدف ثمين وملح بالنسبة لنا جميعا.

* وزير خارجية الولايات المتحدة

خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»