من البحر إلى البحر!!

TT

لأكثر من مرة اثير موضوع «قناة البحرين» اي البحر الاحمر ـ البحر الميت (Dead - Red Sea)، من قبل بعض الذين لا يعرفون حقيقة هذا الامر. ولعل ما يثير الاستغراب ان اثارة هذا الامر جاءت في البداية في صحيفة عربية رائدة، تعتبر اكثر الصحف العربية توزيعا. وسبب الاستغراب هو ان المفترض ان لا يفوت هذه الصحيفة، التي تتميز عن غيرها بمركز للابحاث والدراسات مشهود له بالكفاءة والاقتدار، ان هذه القناة، التي دعا الاردن الى ضرورة تنفيذها كمشروع بيئي كبير في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الاخير، وقبل ذلك في آخر اجتماع لقمة الارض، لا يمكن ان تنافس قناة السويس على الاطلاق ولا يمكن ان تسبب اي خسارة لمصر لا اقتصادية ولا ملاحية.

ان القناة المقترحة لا يمكن ان تنافس اي قناة ملاحية على الاطلاق، فهي اولا ستربط بين بحرين الاول نافذ هو البحر الاحمر والثاني مغلق هو البحر الميت، وهي ثانيا ستكون في احدى مراحلها مجرد انابيب عادية بطول نحو اربعين كيلومترا. وحسب معلوماتنا فإنه لا يمكن لأي سفينة في العالم ان تبحر في مثل هذه الانابيب الا اذا كانت من سفن لعب الاطفال الصغيرة.

كتب احد المعترضين، وهو كما يبدو من اولئك النفر الذين يثقون بأن اسرائيل وراء كل شيء في هذه الكرة الارضية: «وهذه القناة التي تسعى اسرائيل لتنفيذها تهدف الى ضرب قناة السويس، وبالتالي خسارة مصر لمورد اقتصادي، وحتى يمكن لاسرائيل التحكم بحركة التجارة العالمية وخاصة تجارة النفط».

أليس هذا مضحكا حتى الاغماء.. أليس من الواجب ان يكلف كاتب هذا المقال نفسه ويسأل احد مراكز الدراسات عن حقيقة هذه القناة، «التي هدفها ضرب قناة السويس وتمكين اسرائيل من التحكم بحركة التجارة العالمية وخاصة تجارة النفط»؟!

لا يجوز التعاطي مع مسألة بهذا المستوى من الجدية بكل هذه «الخفية» وبكل هذا «التهويم» فهذا النوع من الكتابة ينطبق عليه المثل القائل: «يهرف بما لا يعرف». وهنا فلو ان الامر اقتصر على مجرد اسبوعية مغمورة «رأسها أكبر من جسمها» لهانت المسألة، اما وان مثل هذه المخاوف وردت في صحيفة عريقة جادة ومحترمة تحت تصرفها مركز دراسات شهير وموضع ثقة، فإن هذا يبعث على الحزن ويجرح مصداقية الكلمة المكتوبة.

ان قناة البحر الاحمر ـ البحر الميت، يا سادة يا كرام، مقترحة منذ ما قبل انشاء دولة اسرائيل، وكانت الفكرة بالاساس في عهد الدولة العثمانية، ان يتم الربط ما بين البحر الابيض المتوسط والبحر الميت عبر ممر مائي بالقرب من الناصرة في شمال فلسطين، ثم ينحدر مع نهر الاردن نحو الجنوب، لكن ما لبث اصحاب هذه الفكرة ان تراجعوا عنها لاسباب فنية كثيرة، وبات التفكير منصبا على ضرورة الربط بين البحر الاحمر والبحر الميت ولاسباب بيئية بالاساس.

والقناة المقترحة، لمن يريد ان لا يبقى يهرف بما لا يعرف، لا يمكن ان تكون قناة ملاحية لأنها ستكون عبارة عن مجموعة من الانابيب الممتدة من البحر الاحمر وبطول نحو اربعين كيلومترا ولا يمكن ان تمكن اسرائيل من التحكم بحركة التجارة العالمية «وخاصة تجارة النفط» لأن نهايتها ستكون مغلقة، وستكون مؤدية الى بحر مغلق هو البحر الميت، ولأنه بالاساس لن تدخلها اي سفينة الا اذا كان هذه السفينة بحجم بطيخة كبيرة.

لا هدف لقناة البحرين، التي يقترحها الاردن، الا الحفاظ على البحر الميت التاريخي من الجفاف والنشفان، وبالتالي المحافظة على البيئة، ثم سيكون بالامكان الاستفادة من هذا المشروع كهربائيا نظرا لأن جزءا من هذه القناة التي يتخوف البعض من انها «ستضرب قناة السويس» سيكون عبارة عن شلالات تنحدر نحو غور الاردن من فوق كتلة هائلة من الصخور «الغرانيتية» الشاهقة.